يُعَدُّ الموشح من أشهر المؤلفات الغنائية التقليدية، وقد نشأ في الأندلس منذ أكثر من ألف عام، وهو أغنية جماعية سُمِّيت بهذا الاسم نسبة إلى الوشاح الذي كانت تتزين به المرأة في هذه الفترة، لتشابههما في التحلي بالزخارف..
كان الموشح يُكتب باللغة العربية الفصحى، ثم بدأت الألفاظ العامية تدخل فيه، وهو لا يرتبط بميزان شعري واحد مما يضفي عليه حرية التلوين.. وقد ابتكر الموشح في الأندلس "مقدم بن معاف القبري" و"عبادة بن القزاز".. وأدخل المصريون في القرن 19 إلى الموشح بعض الألفاظ التركية مثل: أمان – عمرم - جانم..
يتكون الموشح عادة من 3 أقسام هي:
البدنية: وتمثل بدن الموشح أو جسمه.
الخانة: وتصاغ ألحانها من الدرجات العالية الحادة، وذلك لإظهار براعة المغنى المنفرد (الصوليست) مع مجموعة المنشدين.
القفلة: وهو نفس لحن البدنية، ولكن مع اختلاف الكلمات والمعاني.
وأحياناً نجد بعض الموشحات تتكون من بدنيات فقط.
الموشحات نوع من الغناء الجماعى المميز وصلنا من التراث الأندلسى حيث كانت نشأتها الأولى خلال فترة الحكم العربى لبلاد الأندلس ، أسبانيا حاليا ، ولذلك تسمى بالموشحات الأندلسية
لغـــــــــة: اشتق اسم الموشح من الوشاح وهو رداء موشى بالزخارف أومرصع بالجواهر ، والمراد بالتسمية إضافة تغييرات على شكل القصيدة التقليدية
نظمــــــا: تختلف الموشحات عن القصائد بتنوع الأوزان والقوافى ، وفى إشارة لاختلاف الموشح عن القصائد وصفه الشاعر ابن سناء الملك بأنه كلام منظوم على وزن مخصوص ، وهى تجمع عادة خليطا بين الفصحى والعامية
لحنـــــــا: يتبع اللحن النظم بحيث يمكن أن تتعدد ضروبه وأوزانه ، وربما يسبق وضع اللحن نظم الكلمات فتصاغ على لحن موضوع سلفا
تاريخ الموشحات
يعود تاريخ الموشحات إلى أكثر من ألف عام حيث ظهر لأول مرة فى الأندلس فى القرن الرابع الهجري ، العاشر الميلادى ، حينما أقدم شعراء الأندلس على تغيير شكل القصائد التقليدية بتعدد القوافى والأوزان فى حركة تجديد استهدفت كسر رتابة القصائد ذات الوزن الواحد والقافية الواحدة ثم مزجت اللغة الفصحى بالدارجة فى مرحلة لاحقة
الموسيقى والغناء
الموشحات كغناء جماعى لم يشترك معها فى هذه الصفة من قوالب الغناء العربى فى العصر القديم غير التواشيح الدينية ، بينما ظهرت فى العصر الحديث أنواع جديدة من الغناء الجماعى أهمها النشيد والأغانى المسرحية
انتقل كثير من علوم الموسيقى التى ازدهرت فى بغداد عاصمة الدولة العباسية إلى بلاد الأندلس بمقدم العالم الموسيقى زرياب من بغداد فى القرن الثالث الهجرى ، التاسع الميلادى ، حيث كان تلميذا لإسحق الموصلي موسيقار الخليفة العباسى هارون الرشيد ، واستفراره فى بلاط الخليفة الأندلسى عبد الرحمن الثاني الذى أعجب بفنه وقربه إليه ، وقد أحدث زرياب تطورا كبيرا فى فن الغناء والموسيقى ، وأنشأ أول مدرسة لتعليم علوم الموسيقى والغناء على أصول منهجية اتبعنها مدارس أوربا فيما بعد ، وبفضل أساليبه الجديدة مهد لنشأة الموشح
لكن موسيقى الموشحات تأثرت أيضا بامتزاج الموسيقات الوافدة بالموسيقات المحلية التى تعايشت روافدها فى بلاد الأندلس ، وقد ظهرت فى ذلك العصر قيمة جديدة هى قيمة اللحن كمادة سمعية عالية التذوق يمكن أن تتفوق فى قيمتها على الكلمات ، ومن هنا نشأ اتجاه يضع الموسيقى والألحان أساسا تطوع له الكلمات
أشهر شعراء الأندلس
الشعراء الأوائل مقدم بن معافى القبرى ، شاعر الأمير عبد الله بن محمد المروانى ، أحمد بن عبد ربه صاحب كتاب العقد الفريد ، أبو بكر عبادة بن ماء السماء ، عبادة القزاز
شعراء المرابطين الأعمى النطيلي ، أبو بكر ابن بـــاجه الفيلسوف ، يحيى بن بقى
شعراء ملوك الطوائف فلاح الوشاح
شعراء الموحدين محمد بن أبى الفضل بن شرف ، أبو الحكم احمد بن هردوس ، ابن مؤهل ، أبو إسحاق الزويلى
شعراء أشبيلية ابن حزمون المرسى ، أبو الحسن بن فضل ، ابن سهل صاحب موشح هل درى ظبي الحمى
شعراء غرناطة أبو بكر بن زهر ، أبو الحسن سهل بن مالك ، لسان الدين بن الخطيب ، أبو عبد الله ابن الخطيب وزير بنى الأحمر صاحب موشح جادك الغيث والملقب بذى الوزارتين ، الأدب والسيف وكان شاعرا وأديبا وطبيبا وفيلسوفا ومؤرخا أيضا
وقد ظهر هؤلاء الشعراء وغيرهم فى الفترة ما بين القرن الرابع والثامن الهجرى ، العاشر والرابع عشر الميلادى
استمر ازدهار الموشحات فى الأندلس لمدة خمسة قرون إلى وقت سقوط غرناطة في أواخر القرن التاسع الهجري عام 897هـ ، أى فى القرن الخامس عشر الميلادى ، عام 1492م ، لكنها كانت قد انتقلت من قبل سقوط غرناطة إلى سائر البلاد العربية كالمغرب العربى ومصر والشام من ناحية ، ووصلت أصداؤها بلاد أوربا خاصة ألمانيا والنمسا فى بدايات عصر النهضة من ناحية أخرى ، وامتد أثرها إلى أول مؤلفات كلاسيكية لباخ وهايدن وموتسارت ، وهكذا ساهمت حضارة الأندلس فى مد الجسور الثقافية بين الشرق والغرب ، غير أن الغرب كان يتمتع بإرث فنى خاص به جعل النهضة الموسيقية الغربية تتطور تطورا هائلا ، وهو استخدام أساليب الهارمونى ، أى الأصوات المتوافقة ، والبوليفونية ، أى الأصوات المتعددة ، التى ترجع أصولها إلى عصر المسرح اليونانى الذى ترجمه ودرسه عرب المشرق أيضا ، لكن العرب لم يهتموا بأى من هذين الأسلوبين وظل الطرب هو ملهمهم الأساسى إلى يومنا هذا
الانتقال إلى الشرق
انتقل فن الموشحات من الأندلس فى أوربا إلى بلاد العرب فى إفريقيا وآسيا وتأثر بدوره بفنون البلاد التى انتقل إليها فصبغ بصبغات خاصة حيثما نزل ، نظما أو لحنا ، فى مصر والشام والمغرب العربى
ويرجع انتشار الموشحات فى مصر والشام فى القرن السادس الهجرى ، الثانى عشر الميلادى ، إلى ابن سناء الملك المصرى المتوفى عام 608هـ / 1212م والذى هوى الموشحات وأبدع منها ، وألف فيها كتاب دار الطراز في عمل الموشحات
امتاز فنانو الشام بحرصهم على جمع ألوان الفنون وتدوينها وحفظها حتى غير العربى منها ، وشمل ذلك الموشحات الأندلسية ، واستفاد من هذه الخاصية فنانون كثيرون حفظوا الموشحات ونقلوها إلى أجيال بعدهم فى الشام وغيرها
وأعجب المصريون بفن الموشحات وكثر حفظتها الذين كانوا يقدمونها فى الحفلات والمناسبات الاجتماعية الشعبية فى فرق عرفت باسم الصهبجية ، وهم الذين تعلم على أيديهم العديد من الأجيال اللاحقة من الفنانين
وفى المغرب نشات فرق خاصة تعنى بالموشحات التى استمدت كلماتها من الأشعار الصوفية وقدمت عروضها فى المناسبات الدينية بمصاحبة الآلات الشرقية التقليدية ووجدت لها جمهورا خاصا من الذواقة وعشاق هذا الفن
مراجع ومخطوطات فى الموشحات
العقــد الفريــد ، دار الطراز فى عمل الموشحات ، الأغانى للأصفهانى ، سفينة شهاب ، وفى العصر الحديث صدرت سلسلة من المراجع الموثقة بالنوتة الموسيقية للعديد من الموشحات أصدرتها اللجنة الموسيقية العليا التابعة لوزارة الثقافة المصرية
الموشحات فى العصر الحديث
فى أواسط القرن التاسع عشر وصلت الموشحات إلى مجموعة من الفنانين الموهوبين لم يقتصروا على حفظ القديم بل جددوا وأضافوا إليه ، فظهرت موشحات جديدة خلال القرنين التاسع عشر والعشرين ومن هؤلاء محمد عثمان ملحن ملا الكاسات الذى ساهمت ألحانه القوية واهتمامه بضبط الأداء مع صوت عبده الحامولى الذى وصف بالمعجزة فى انتقال الموشحات من الأوساط الشعبية إلى القصور وأصبح الموشح جزءا أساسيا من الوصلات الغنائية ، واستمر هذا التقليد حتى أوائل القرن العشرين حينما ظهرت باقة من الموهوبين أضافت إلى الموشحات مثل سلامة حجازى وداود حسنى وكامل الخلعى ، حتى وصل إلى سيد درويش فأبدع عدة موشحات كانت بمثابة قمة جديدة وصل إليها هذا الفن ، لكن المفارقة الكبرى تمثلت فى أن سيد درويش نفسه كان كخط النهاية فلم تظهر بعده موشحات تذكر
توارى فن الموشح مع مقدم القرن العشرين وحلول المدرسة التعبيرية التى كان رائدها سيد درويش محل المدرسة الزخرفية القديمة وأصبح فنا تراثيا لا يسمعه أحد ، لكنه عاد إلى الساحة مرة أخرى بعد عدة عقود
أعيد غناء الموشحات فى أواخر الستينات من القرن العشرين كمادة تراثية عن طريق فرق إحياء التراث التى بدأت بفرقتين هما فرقة الموسيقى العربية بقيادة عبد الحليم نويرة فى القاهرة وكورال سيد درويش بقيادة محمد عفيفى بالإسكندرية ، ثم ظهرت فرق أخرى كثيرة فى مصر خاصة فى موجة قوية لاستعادة التراث خلقت جمهورا جديدا من محبى الموشحات والفن القديم ، وتعددت فرق الموشحات إلى حد وجود فرقة بكل مدينة وظهرت فرق فى الجامعات لنفس الغرض ، كما غنى الموشحات بعد ذلك مطربون فرادى مثل صباح فخرى وفيروز وظهرت أجزاء من موشحات كمقدمات لأغانى عبد الحليم حافظ وفايزة أحمد وآخرين مثل كامل الأوصاف لحن محمد الموجى وقدك المياس والعيون الكواحل وغيرها
أصبح للموشح كيان جديد له جمهور كبير ، واكتسبت الموشحات أيضا قيمة اجتماعية راقية نظرا للتطور الذى أدخل على طرق الأداء فى هذه الفرق موسيقيا وغنائيا حيث اتسم الأداء بالدقة المتناهية التى ساهمت فى تصنيفه كفن من الذوق الرفيع ، وانعكس هذا الاتجاه على الجمهور الذى أبدى انضباطا كبيرا وحسن استماع إلى عروض خصصت للموشحات ، بل إن الجمهور قد استجاب لشرط المنظمين دخول حفلات الموشحات بالملابس الرسمية! كما ساهم فى عودة الموشحات لاكتساب الجمهور شرقية ألحانها الشديدة التى اشتاق الناس إلى الاستمتاع بفنونها بعد سنوات طويلة من التغريب والتجريب
خصائص الموشحات
بالإضافة إلى الجمع بين الفصحى والعامية تميزت الموشحات بتحرير الوزن والقافية وتوشيح ، أى ترصيع ، أبياتها بفنون صناعة النظم المختلفة من تقابل وتناظر واستعراض أوزان وقوافى جديدة تكسر ملل القصائد ، وتبع ذلك أن تلحينها جاء أيضا مغايرا لتلحين القصيدة ، فاللحن ينطوى على تغيرات الهدف منها الإكثار من التشكيل والتلوين ، ويمكن تلحين الموشح على أى وزن موسيقى لكن عرفت لها موا*** خاصة غير معتادة فى القصائد وأشكال الغناء الأخرى.