إن مواجهة الآفات يجب أن يكون ضمن إطار برنامج وطني (وقومي) مثلما هو الأمر بالنسبة لبرامج التنمية الاقتصادية، لأن سياسة تهذيب السلوك وتقويم الأخلاق لا تقل أهمية عن سياسة حياة الناس في مجال المعاش أو سياسة تطوير الرياضة؛ لأن النهضة تقوم إلا على عقول واعية ومتفتحة و"صاحيـــة" غير خاملة أو مُغيبة (أو غائبة).
أولا- قراءة المجتمعات للآفات الاجتماعية:
يمكن تعريف الآفات الاجتماعية بأنها "ظواهر مرضية يمكن الوقوف على أثارها السلبية، وإحصاء وتتبع ما جنته على الفرد والمجتمع".
وهذا التحديد يقره كل عقلاء العالم.
ولكن، رغم هذا الاتفاق حول الآثار السلبية التي تنجــر عن الآفات اجتماعية، إلا أن ”الموقف العلاجي“ يختلف من أمة إلـى أخرى لأسباب عديدة:
1- بسبب التصور الاجتماعي للمرض، فالبعض يؤمن بأن القليل منه لا يضر، وبالطبع نحن لا نفرق بين القليل والكثير في موضوع الضرر.... فيجب الابتعاد عنه ”اجتنبوا“ ”ولا تقربوا“ ...
2- بسبب الجدية أو عدم الجدية التناول والتعامل مع هذه الظواهر..
3- عدم وجود سياسات ثقافية خُلقيـــة عامة؛ واعتبار أمر التصدي لبعض الآفات من ”النوافل الاجتماعية“، التي تترك للتطوع العام (أو الفردي)..
ثانيا- الآفات الاجتماعية مسألة أفراد ومجتمع
ولكن عند استعراض سمات و"تيبولوجيا" الآفات نلاحظ ما يلي:
1- بعض هذه الآفات متأصل في النفس وأصبح عادة راسخة يصعب التخلص منها دفعة واحدة، ومنها ما يعبر عن انحراف جارف عن الفطرة والذوق الإسلامي، بحيث لا يجوز السكوت عنه أو تبرير تناوله ومعالجته باتباع أسلوب التأني والتدرج.
2- ومنها ما يمكن التعامل معه بالتأني والمثابرة. ولذلك كما يتطلب الأمر تنويع أساليب العلاج يجب أيضا تنويع أساليب التصدي والتدخل:
1- فقد يتطلب الأمرعلاجا فرديا، يتجه إلى الحالات (دور هام لعلم النفس والتنمية البشرية)
2 - كما يستدعي الأمر وضع سياسة عامة موازاة مع سياسة العلاج الفردي:
1.2- لأن السياسة العامة من شأنها أن تأخذ بعين الاعتبار كافة الأسباب التي تدفع إلى الانحراف.
2.2- وما يبرر التناول "الكلي" أيضا هو اعتبار الآفات تعبير سافر عن ضعف منظومة القيم الاجتماعية، وترجمة واقعية لفتور وسائل الضبط الاجتماعي
3.2- يجب أن ننتبه إلى وجود أفراد وجماعات وأصحاب المصالح الذين يساعدون ، وقد يعملون، بشكل مباشر أو غير مباشر، على نشر أو تحبيذ الآفات والإنحرافات والفواحش)، حيث يعمد بعضهم إلى نشرها، وقد يعتقد البعض أنه يحاربها من خلال الكشف عن عيوب وآثارها، ولكن عمله يأتي بنتائج عكسية، فيعمل على خلق الآليات التي تساعد على انتشارها (تجربة الأفلام دليل على تذبذب الأهداف)
ثالثا- نحو إستراتجية وطنية للحد من الآفات الاجتماعية
إن مواجهة الآفات الاجتماعية يستدعي تجنيد كافة الطاقات الاجتماعية للدولة، وبلورة سياسة عامة تجابه كافة الآفات، وتضع سياسات خاصة لكل آفة بمفردها.بدل التركيز على آفة عينها والتقليل من شأن الأضرار التي تخلفها بعض الآفات أو التسامح أحسانا مع البعض الآخر، وعدم إدراجه ضمن الآفات.
1- لا بد من تجفيف كافة المنابع التي تساعد على تحبيذ أو نشر أو ظهور الآفات الاجتماعية (الإعلام، التفاوت الاجتماعي، السياحة الغربية المطلقة...)
2- كما يجب التأكيد على الطابع الترابطي لهذه الآفات التي يؤدي بعضها لاستفحال البعض الآخر...
3- الأخذ بالمنهج الإسلامي الذي يضع سياسات لتحقيق كافة المصالح دون تمييز، العقل، النفس، الروح، العرض والمال.. (الخبز والحرية، سد الجوع وسد أبواب الفواحش)
4- المعالجة على المستوي السلبي والإيجابي، توفير العلم ومحاربة ما يؤدي إلى الخرافة والجهل، تشجيع الزواج وسد أبواب الفتنة والفواحش وتحبيذ العري والانحلال... ( راجع كتب مقاصد الشريعة الإسلامية)
رابعا- الخريطة الاجتماعية للآفات
- لا بد من وضع خريطة وطنية (وقومية) شاملة للمتغيرات المرتبطة بالآفات الاجتماعية ( السن، النوع، الطبـقات الاجتماعية والمناطق)
- تجنيد كافة وسائل رصد الآفات، وتتبع حقيقي لأسبابها..
- عدم التقليل من شأن أي سبب أو آفة..
- المزاوجة بين الخطط الاقتصادية والخطط الثقافية (الإدماج الاقتصادي والتهذيب الخلقي.. )