MESSI عضو عادي
تاريخ التسجيل : 29/10/2009 العمر : 29
| موضوع: عشر (10) مقالات فلسفية ،لاتعوض السبت 24 أبريل 2010 - 9:51 | |
| المقالة الاولى حول الاخلاق : إذا كان الانسان من حيث هو كائن عاقل ، هل يمكن عندئذ القول ان اساس القيمة الاخلاقية هو العقل ؟جدلية I - طرح المشكلة : تعد مشكلة أساس القيمة الخلقية من أقدم المشكلات في الفلسفة الاخلاقية وأكثرها إثارة للجدل ؛ إذ تباينت حولها الاراء واختلفت المواقف ، ومن تلك المواقف الموقف العقلي الذي فسر أساس القيمة الاخلاقية بإرجاعها الى العقل ؛ فهل فعلا يمكن تأسيس القيم الاخلاقية على العقل وحده ؟ II – محاولة حل المشكلة : 1- أ – عرض الاطروحة : يرى البعض ، أن مايميز الانسان – عن الكائنات الاخرى - هو العقل ، لذلك فهو المقياس الذي نحكم به على الاشياء وعلى سلوكنا وعلى القيم جميعا ، أي أن أساس الحكم على الافعال و السلوكات وإضفاء طابع اخلاقي عليها هو العقل ، وعليه أٌعتبر المصدر لكل قيمة خلقية . وقد دافع عن هذا الرأي أفلاطون قديما والمعتزلة في العصر الاسلامي وكانط في العصر الحديث . 1- ب – الحجة : ويؤكد ذلك أن ( أفلاطون 428 ق م – 347 ق م ) قسم أفعال الناس تبعا لتقسيم المجتمع ، فإذا كان المجتمع ينقسم الى ثلاث طبقات هي طبقة الحكماء وطبقة الجنود وطبقة العبيد ، فإن الافعال – تبعا لذلك – تنقسم الى ثلاثة قوى تحكمها ثلاث فضائل : القوة العاقلة ( تقابل طبقة الحكماء ) وفضيلتها الحكمة والقوة الغضبية ( طبقة الجنود ) وفضيلتها الشجاعة والقوة الشهوانية ( العبيد ) وفضيلتها العفة ، والحكمة هي رأس الفضائل لأنها تحد من طغيان القوتين الغضبية والشهوانية ، ولا يكون الانسان حكيما الا اذا خضعت القوة الشهوانية والقوة الغضبية للقوة العاقلة . - و عند المعتزلة ، فالعقل يدرك ما في الافعال من حسن او قبح ، أي ان بإمكان العقل ادراك قيم الافعال والتمييز فيها بين ما هو حسن مستحسن وماهو قبيح مستهجن ، وذلك حتى قبل مجيئ الشرع ، لأن الشرع مجرد مخبر لما يدركه العقل ، بدليل ان العقلاء في الجاهلية كانوا يستحسنون افعالا كاصدق والعدل والامانة والوفاء ، ويستقبحون أخرى كالكذب والظلم والخيانة والغدر .. وان الانسان مكلف في كل زمان ومكان ولولا القدرة على التمييز لسقطت مسؤولية العباد امام التكليف . - والعقل عند ( كانط 1724 – 1804 ) الوسيلة التي يميز به الإنسان بين الخير والشر، وهوالمشرّع ُ لمختلف القوانين والقواعد الأخلاقية التي تتصف بالكلية والشمولية ، معتبراً الإرادة الخيرة القائمة على اساس الواجب الركيزة الأساسية للفعل لأن الانسان بعقله ينجز نوعين من الاوامر : أوامر شرطية مقيدة ( مثل : كن صادقا ليحبك الناس ) ، وأوامر قطعية مطلقة ( مثال : كن صادقا ) ، فالاوامر الاولى ليس لها أي قيمة اخلاقية حقيقية ، فهي تحقق اخلاق منفعة ، وتتخذ الاخلاق لا كغاية في ذاتها ، وانما كوسيلة لتحقيق غاية . اما الاوامر الثاني فهي اساس الاخلاق ، لانها لا تهدف الى تحقيق أي غاية او منفعة ، بل تسعى الى انجاز الواجب الاخلاقي على انه واجب فقط بصرف النظر عن النتائج التي تحصل منه لذلك يقول : « إن الفعل الذي يتسم بالخيرية الخلقية فعل نقي خالص , وكأنما هو قد هبط من السماء » 1- جـ - النقد :لكن التصور الذي قدمه العقليون لأساس القيمة الاخلاقية تصور بعيد عن الواقع الانساني ، فالعقل اولا قاصر واحكامه متناقضة ، فما يحكم عليه هذا بأنه خير يحكم عليه ذاك بأنه شر فاذا كان العقل قسمة مشتركة بين الناس فلماذا تختلف القيم الاخلاقية بينهم إذن ؟ . كما يهمل هذا التصور الطبيعة البشرية ، فالانسان ليس ملاكا يتصرف وفق احكام العقل ، بل هو ايضا كائن له مطالب حيوية يسعى الى اشباعها ، والتي لها تأثير في تصور الفعل . واخيرا أن الأخلاق عند كانط هي أخلاق متعالية مثالية لا يمكن تجسيدها على ارض الواقع . 2- أ – عرض نقيض الاطروحة : وخلافا لما سبق ، يرى البعض الآخر أن العقل ليس هو الاساس الوحيد للقيم الاخلاقية ، باعتبار ان القيمة الخلقية للأفعال الإنسانية متوقفة على نتائجها وأثارها الايجابية أي ما تحصله من لذة ومنفعة وما تتجنبه من الم ومضرة ، وقد تتوقف القيم الاخلاقية على ما هو سائد في المجتمع من عادات وتقاليد واعراف وقوانين ، فتكون بذلك صدى لهذه الاطر الاجتماعية ، وقد يتوقف – في الاخير - معيار الحكم على قيم الافعال من خير ( حسن ) او شر ( قبح ) على الارادة الالهية او الشرع . 2- ب – الحجة : وما يثبت ذلك ، ان القيم الاخلاقية ماهي الا مسألة حسابية لنتائج الفعل ، وهذه النتائج لا تخرج عن تحصيل اللذات والمنافع ؛ فما يحفز الانسان الى الفعل هو دائما رغبته في تحصيل لذة او منفعة لأن ذلك يتوافق مع الطبيعة الانسانية فالانسان بطبعة يميل الى اللذة والمنفعة ويتجنب الالم والضرر ، وهو يٌقدم على الفعل كلما اقترن بلذة او منفعة ، ويحجم عنه اذا اقترن بألم او ضرر ، فاللذة والمنفعة هما غاية الوجود ومقياس أي عمل أخلاقي ، وهما الخير الاسمى والالم والضرر هماالشر الاقصى . - ومن ناحية أخرى ، فإن القيم الأخلاقية بمختلف أنواعها وأشكالها سببها المجتمع , وما سلوك الأفراد في حياتهم اليومية إلا انعكاس للضمير الجمعي الذي يُهيمن على كل فرد في المجتمع . أي ان معيار تقويم الافعال اساسه المجتمع ، والناس تصدر احكامها بالاعتماد عليه ، فمثلا الطفل حينما يولد لا تكون لديه فكرة عن الخير او الشر ، فينشأ في مجتمع – يتعهده بالتربية والتثقيف – يجد فيه الناس تستحسن افعالا وتستقبح أخرى ، فيأخذ هذا المقياس عنهم ، فيستحسن ما يستحسنه الناس ، ويستقبح ما يستقبحونه ، فإن هواستقبح مثلا الجريمة فلأن المجتمع كله يستقبحها ، ومن ثمّ يدرك ان كل ما يوافق قواعد السلوك الاجتماعي فهو خير وكل ما يخالفها فهو شر . والنتيجة ان القيم الاخلاقية من صنع المجتمع لا الفرد ، وما على هذا الفرد الا ان يذعن لها طوعا اوكرها ، الامر الذي جعل دوركايم ( 1858 – 1917 ) يقول : « اذا تكلم ضميرنا فإن المجتمع هو الذي يتكلم فينا » ، وكذلك : « ان المجتمع هو النموذج والمصدر لكل سلطة اخلاقية ، وأي فعل لا يقره المجتمع بأنه اخلاقي ، لا يكسب فاعله أي قدر من الهيبة او النفوذ » . - ومن ناحية ثالثة ، ان معيار الحكم على قيم الافعال من خير او شر يرتد الى الارادة الالهية او الشرع . فـنحن – حسب (إبن حزم الاندلسي 374هـ - 456 هـ ) – نستند الى الدين في تقويم الافعال الخلقية وفق قيم العمل بالخير والفضيلة والانتهاء عن الشر والرذيلة ، ولا وجود لشيئ حسنا لذاته او قبيحا لذاته ، ولكن الشرع قرر ذلك ، فما سمّاه الله حسنا فهو حسن وما سمّاه قبيحا فهو قبيح . كما ان الافعال حسنة او قبيحة – حسب ما يذهب اليه الاشاعرة – بالامر او النهي الالهي ، فما امر به الله فهو خير وما نهى عنه فهو شر ، أي ان الاوامر الالهية هي التي تضفي صفة الخير على الافعال او تنفيها عنها ، ولذلك – مثلا – الصدق ليس خيرا لذاته ولا الكذب شرا لذاته ، ولن الشرع قرر ذلك . والعقل عاجز عن ادراك قيم الافعال والتمييز فيها بين الحسن والقبح ، وليس له مجال الا اتباع ما اثبته الشرع . 2- جـ - النقد : ولكن النفعيون لا يميزون بين الثابت والمتغير ولا بين النسبي والمطلق لأن القيم الاخلاقية قيم ثابتة ومطلقة ، والاخذ باللذة والمنفعة كمقياس لها يجعلها متغيرة ونسبية ، فيصبح الفعل الواحد خيرا وشرا في آن واحد ، خيرا عند هذا اذا حقق له لذة او منفعة ، وشرا عند ذاك اذا لم يحقق أيًّا منهما . ثم ان المنافع متعارضة ، فما ينفعني قد لا ينفع غيري بالضرورة ، وأخيرا فان ربط الاخلاق باللذة والمنفعة يحط من قيمة الاخلاق و الانسان معاً ؛ فتصبح الاخلاق مجرد وسيلة لتحقيق غايات كما يصبح الانسان في مستوى واحد مع الحيوان . ثم ان المدرسة الاجتماعية تبالغ كثيرا في تقدير المجتمع والاعلاء من شأنه ، وفي المقابل تقلل او تعدم اهمية الفرد ودوره في صنع الاخلاق ، والتاريخ يثبت ان افرادا ( انبياء ، مصلحين ) كانوا مصدرا لقيم اخلاقية ساعدت المجتمعات على النهوض والتقدم . ومن جهة ثانية ، فالواقع يثبت ان القيم الاخلاقية تتباين حتى داخل المجتمع الواحد ، وكذا اختلافها من عصر الى آخر ، ولو كان المجتع مصدرا للاخلاق لكانت ثابتة فيه ولزال الاختلاف بين افراد المجتمع الواحد . وبالنسبة للنزعة الدينية فإنه لا يجوز الخلط بين مجالين من الاحكام : - احكام شرعية حيث الحلال والحرام ، وهي متغيرة وفق مقاصد الشريعة - واحكام اخلاقية حيث الخير والشر او الحسن والقبح ، وهي ثابتة في كل زمان ومكان . مثلا : الكل يتفق على ان الكذب شر ، اما الاستثناء كجواز الكذب في الحرب او من اجل انقاذ برئ ( بقصد حفظ النفس الذي هو من مقاصد الشريعة ) فلا يجعل من الكذب خيراً . 3 – التركيب : إن الانسان في كينونته متعدد الابعاد ؛ فهو اضافة الى كونه كائن عاقل فإنه كائن بيولوجي أيضا لا يتواجد الا ضمن الجماعة التي تؤمن بمعتقد خاص ، وهذه الابعاد كلها لها تأثير في تصور الانسان للفعل الاخلاقي وكيفية الحكم عليه . فقد يتصور الانسان أخلاقية الفعل بمقتضئ ما يحكم به علقه ، أو بمقتضى ما يهدف الى تحصيله من وراء الفعل ، أو بمقتضى العرف الاجتماعي أو وفق معتقداته التي يؤمن بها . III– حل المشكلة : وهكذا يتضح أن أسس القيم الاخلاقية مختلفة ومتعددة ، وهذا التعدد والاختلاف يعود في جوهره الى تباين وجهات النظر بين الفلاسفة الذين نظر كل واحدا منهم الى المشكلة من زاوية خاصة ، أي زاوية المذهب او الاتجاه الذي ينتمي اليه . والى تعدد ابعاد الانسان ، لذلك جاز القول ان العقل ليس الاساس الوحيد للقيم الاخلاقية . ملاحظة : يمكن الاكتفاء في نقيض الاطروحة برأي واحد
المقالة الثانية حول الابداع : هل ترجع عملية الابداع الى شروط نفسية فقط ؟ جدلية I- طرح المشكلة : إن الابداع هو ايجاد شيئ جديد ، وذلك ما يكشف عن اختلافه عن ماهو مألوف ومتعارف عليه ، وعن تحرره من التقليد ومحكاة الواقع . ومن جهة أخرى ، فإن عدد المبدين – في جميع المجالات – قليل جدا مقارنة بغير المبدعين ، وهو ما يوحي ان تلك القلة المبدعة تتوافر فيها صفات وشروط خاصة تنعدم عند غيرهم ، فهل معنى ذلك ان الابداع يتوقف على شروط ذاتية خاصة بالمبدع ؟ II– محاولة حل المشكلة : 1- أ – عرض الاطروحة : يرى بعض العلماء ، ان الابداع يعود اصلا الى شروط نفسية تتعلق بذات المبدع وتميزه عن غيره من غير المبدعين كالذكاء وقوة الذاكرة وسعة الخيال والاهتمام والارادة والشجاعة الادبية والجرأة والصبر والرغبة في التجديد .. اضافة الى الانفعالات من عواطف وهيجانات مختلفة . ومن يذهب الى هذه الوجهة من النظر الفيلسوف الفرنسي ( هنري برغسون ) والعالم النفساني ( سيغموند فرويد ) الذي يزعم ان الابداع يكشف عن فاعلية اللاشعور وتعبير غير مباشر عن الرعبات المكبوتة . 1- ب – الحجة : ويؤكد ذلك ، أن استقراء حياة المبدعين – في مختلف ميادين الابداع – يكشف ان هؤلاء المبدعين انما يمتازون بخصائص نفسية وقدرات عقلية هيأتهم لوعي المشاكل القائمة وايجاد الحلول لها . فالمبدع يتصف بدرجة عالية من الذكاء والعبقرية ، فإذا كان الذكاء – في احد تعاريفه – قدرة على حل المشكلات ، فإنه يساعد المبدع على طرح المشاكل طرحا صحيحا وايجاد الحلول الجديدة لها . ثم ان المبدع في تركيبه لأجزاء وعناصر سابقة لإبداع جديد انما يكشف في الحقيقة عن علاقة بين هذه الاجزاء او العناصر ، والذكاء – كما يعرف ايضا – هوادراك العلاقات بين الاسشياء اوالافكار . واصل كل ابداع التخيل المبدع ، والتخيل – اصلا – هو تمثل الصور مع تركيبها تركيبا حرا وجديدا ، لذلك فالابداع يقتضي مخيلة قوية وخيالا واسعا خصبا ، فكلما كانت قدرة الانسان على التخيل اوسع كلما استطاع تصور صور خصبة وجديدة ، وفي المقابل كلما كانت هذه القدرة ضيقة كان رهينة الحاضر ومعطيات الواقع . ويشترط الابداع ذاكرة قوية ، فالعقل لا يبدع من العدم بل استنادا الى معلومات وخبرات سابقة التي تقتضي تذكرها ، لذلك فالذاكرة تمثل المادة الخام والعناصر الاولية للابداع . هذا ، واستقراء حياة المبدعين وتتبع اقوالهم وهم يصفون حالاتهم قبل الابداع اواثنائه ، يؤكد دور الارادة والاهتمام في عملية الابداع ، فمن كثرة اهتمام العالم الرياضي الفرنسي ( بوانكاريه ) بإيجاد الحلول الجديدة للمعادلات الرياضية المعقدة ، غالبا ما كان يجد تلك الحلول وهو يضع قدميه على درج الحافلة ، وهذا ( ابن سينا ) قبله من شدة اهتمامه بمواضيع بحثه كثيرا ما كان يجد الحلول للمشكلات التي استعصت عليه اثناء النوم . والعالم ( نيوتن ) لم يكتشف قانون الجاذبية لمجرد سقوط التفاحة ، وانما كان يفكر باهتمام بالغ وتركيز قوي في ظاهرة سقوط الاجسام ، وما سقوط التفاحة الا مناسبة لاكتشاف القانون . وما يثبت دور الحالات الوجدانية الانفعالية في عملية الابداع ان التاريخ يثبت – على حد قول برغسون – ان « كبار العلماء والفانين يبدعون وهم في حالة انفعال قوي » . ذلك ان معطيات علم النفس كشفت ان الانفعالات والعواطف القوية تنشط المخيلة التي هي المسؤولة عن عملية الابداع . وبالفعل ، فاروع الابداعات الفنية والفكرية تعبر عن حالات وجدانية ملتهبة ، فلقد اجتمعت عواطف المحبة الاخوية والحزن عند ( الخنساء ) فأبدعت في الرثاء . ولما كان الابداع هو ايجاد شيئ جديد ، فماهو جديد – في جميع المجالات – يقابل برفض المجتمع لتحكم العادة ، فمثلا افكار( سقراط ) و ( غاليلي ) قوبلت بالرفض والاستنكار ، ودفعا حياتهما ثمنا لافكارهما الجديدة ، وعليه فالمبدع اذا لم يتصف بالشجاعة الفكرية والادبية والروح النقدية والميل الى التحرر .. فإنه لن يبدع خشية مقاومة المجتمع له . 1- جـ - النقد : ولكن الشروط النفسية المتعلقة بذات المبدع وحدها ليست كافية لحصول الابداع ، إذ معنى ذلك وجود ابداع من العدم . والحقيقة انه مهما طالت حياة المبدع فانه من المحال ان يجد بمفرده اجزاء الابداع ثم يركبها من العدم . ومن جهة أخرى ، فالذكاء – الذي يساهم في عملية الابداع – وان كان في اصله وراثيا ، فإنه يبقى مجرد استعدادات فطرية كامنة لا تؤدي الى الابداع مالم تقم البيئة الاجتماعية بتنميتها وابرازها . كما يستحيل الحديث عن ذاكرة فردية محضة بمعزل عن المجتمع . واخيرا ، فإن ان هذه الشروط حتى وان توفرت فهي لا تؤدي الى الابداع مالم تكن هناك بيئة اجتماعية ملائمة تساعد على ذلك . وهذا يعني ان للمجتمع نصيب في عملية الابداع . 2- أ – عرض نقيض الاطروحة : وعلى هذا الاساس ، يذهب الاجتماعيون الى ان الابداع ظاهرة اجتماعية بالدرجة الاولى ، تقوم على ما يوفره المحتمع من شروط مادية او معنوية ، تلك الشروط التي تهيئ الفرد وتسح بالابداع . وهو ما يذهب اليه انصار النزعة الاجتماعية ومنهم ( دوركايم ) الذي يؤكد على ارتباط صور الابداع المختلفة بالاطر الاجتماعية . 2- ب – الحجة : وما يثبت ذلك ، ان الابداع مظهر من مظاهر الحياة الاجتماعية اما لجلب منفعة او دفع ضرر ، فالحاجة هي التي تدفع الى لابداع وهي ام الاختراع ، وتظهر الحاجة في شكل مشكلة اجتماعية ملحة تتطلب حلا ، فإبـداع ( ماركس ) لفكرة " الاشتراكية " انما هو حل لمشكلة طبقة اجتماعية مهضومة الحقوق ، و اكتشاف ( تورشيلي ) لقانون الضغط جاء كحل لمشكلة اجتماعية طرحها السقاؤون عند تعذر ارتفاع الماء الى اكثر من 10.33م . كما ان التنافس بين المجتمعات وسعي كل مجتمع الى اثبات الوجود ما يجعل المجتمع يحفز افراده على الابداع ويوفر لهم شروط ذلك ؛ فاليابان – مثلا – لم تكن شيئا يذكر بعد الحرب العالمية الثانية ، لكن تنافسها الاقتصادي مع امريكا واروبا الغربية جعل منها قوة خلاقة مبدعة . كما ان التنافس العسكري بين امريكا والاتحاد السوفياتي سابقا ادى الابداع في مجال التسلح . كما ترتبط ظاهرة الابداع بحالة العلم والثقافة القائمة ؛ وما يثبت ذلك مثلا انه من المحال ان يكتشف المصباح الكهربائي في القرن السابع ، لأنه كإبداع يقوم على نظريات علمية رياضية فيزيائية لم تكن متوفرة وقتذاك . ولم يكن ممكنا اكتشاف الهندسة التحليلية قبل عصر ( ديكارت ) ، لأن الجبر والهندسة لم يبلغا من التطور ما يسمح بالتركيب بينهما . ولم يبدع شعراء كبار مثل ( المتنبي ، أبو تمام .. ) الشعر المسرحي في عصرهم ، لأن الادب المسرحي لم يكن معروفا حينذاك . وتعذر على ( عباس بن فرناس ) الطيران ، لأن ذلك يقوم على نظريات علمية لم تكتشف في ذلك العصر . ويرتبط الابداع – ايضا - بمختلف الظروف السياسية ؛ حيث يكثر الابداع اليوم في الدول التي تخصص ميزانية ضخمة للبحث العلمي وتهيئ كل الظروف التي تساعد عى الابداع . ولقد عرفت الحضارة الاسلامية ازهى عصور الابداع ، لما كان المبدع يأخذ مقابل ابداعه ذهبا وتشريفا . 2- جـ - النقد : غير ان التسليم بأن الشروط الاجتماعية وحدها كافية لحصول الابداع يلزم عنه التسليم ايضا ان كل افراد المجتمع الواحد مبدعين عند توفر تلك الشروط وهذا غير واقع . كما ان الاعتقاد ان الحاجة ام الاختراع غير صحيح ، فليس من المعقول ان يحصل اختراع او ابداع كلما احتاج المجتمع الى ذلك مهما وفره من شروط ووسائل . وما يقلل من اهمية الشروط الاجتماعية هو ان المجتمع ذاته كثيرا ما يقف عائقا امام الابداع ويعمل على عرقلته ، كما كان الحال في اروبا إبّـان سيطرة الكنيسة في العصور الوسطى . 3 – التركيب : ان الابداع كعملية لا تحصل الا اذا توفرت لها شروط ذلك ، فهي تتطلب اولا قدرات خاصة لعلها لا تتوفر عند الكثير ، مما يعني ان تلك القلة المبدعة لم تكن لتبدع لولا توفرها على تلك الشروط ، غير انه ينبغي التسليم ان تلك الشروط وحدها لا تكفي ، فقد تتوفر كل الصفات لكن صاحبها لا يبدع ، مالم يجد مناخ اجتماعي مناسب يساعده على ذلك ، مما يعني ان المجتمع يساهم بدرجة كبيرة في عملية الابداع بما يوفره من شروط مادية ومعنوية ، مما ؤدي بنا الى القول ان الابداع لا يكون الا بتوفر الشروط النفسية والاجتماعية معا . III – حل المشكلة : وهكذا يتضح ان عملية الابداع لا ترجع الى شروط نفسية فقط ، بل وتتطلب بالاضافة الى ذلك جملة من الشروط الاجتماعية فالشروط الاولى عديمة الجدوى بدون الثانية ، الامر الذي يدعونا ان نقول مع ( ريبو ) : « مهما كان الابداع فرديا ، فإنه يحتوي على نصيب اجتماعي » .
المقالة الثالثة حول الادراك : هل الادراك محصلة لنشاط الذات او تصور لنظام الاشياء ؟ جدلية I - طرح المشكلة :يعتبر الادراك من العمليات العقلية التي يقوم بها الانسان لفهم وتفسير وتأويل الاحساسات بإعطائها معنى مستمد من تجاربنا وخبراتنا السابقة . وقد وقع اختلاف حول طبيعة الادراك ؛ بين النزعة العقلية الكلاسيكية التي تزعم ان عملية الادراك مجرد نشاط ذاتي ، والنظرية الجشطالتية التي تؤكد على صورة او بنية الموضوع المدرك في هذه العملية ، الامر الذي يدفعنا الى طرح التساؤل التالي : هل يعود الادراك الى فاعلية الذات المٌدرِكة أم الى طبيعة الموضوع المدرَك ؟ II– محاولة حل المشكلة : 1- أ – عرض الاطروحة :يرى انصار النزعة العقلية أمثال الفرنسيان ديكارت و آلان و الفيلسوف الارلندي باركلي والالماني كانط ، ان الادراك عملية عقلية ذاتية لا دخل للموضوع المدرك فيها ، حيث ان ادراك الشيئ ذي ابعاد يتم بواسطة احكام عقلية نصدرها عند تفسير المعطيات الحسية ، لذلك فالادراك نشاط عقلي تساهم فيه عمليات ووظائق عقلية عليا من تذكر وتخيل وذكاء وذاكرة وكذا دور الخبرة السابقة ... ومعنى هذا ان انصار النظرية العقلية يميزون تمييزا قاطعا بين الاحساس و الادراك . 1- ب – الحجة :ويؤكد ذلك ، ما ذهب اليه ( آلان ) في ادراك المكعب ، فنحن عندما نرى الشكل نحكم عليه مباشرة بأنه مكعب ، بالرغم اننا لا نرى الا ثلاثة أوجه وتسعة اضلاع ، في حين ان للمكعب ستة وجوه و اثنى عشرة ضلعا ، لأننا نعلم عن طريق الخبرة السابقة أننا اذا أدرنــا المكعب فسنرى الاوجه والاضلاع التي لا نراه الآن ، ونحكم الآن بوجودها ، لذلك فإدراك المكعب لا يخضع لمعطيات الحواس ، بل لنشاط الذهن واحكامه ، ولولا هذا الحكم العقلي لا يمكننا الوصول الى معرفة المكعب من مجرد الاحساس . ويؤكد ( باركلي ) ، أن الاكمه ( الاعمى ) اذا استعاد بصره بعد عملية جراحية فستبدو له الاشياء لاصقة بعينيه ويخطئ في تقدير المسافات والابعاد ، لأنه ليس لديه فكرة ذهنية او خبرة مسبقة بالمسافات والابعاد . وبعد عشرين (20) سنة أكدت اعمال الجرّاح الانجليزي ( شزلندن ) ذلك . وحالة الاكمه تماثل حالة الصبي في مرحلة اللاتمايز ، فلا يميز بين يديه والعالم الخارجي ، ويمد يديه لتناول الاشياء البعيدة ، لأنه يخطئ – ايضا – في تقدير المسافات لانعدام الخبرة السابقة لديه . اما ( كانط ) فيؤكد ان العين لا تنقل نتيجة الاحساس الا بعدين من الابعاد هما الطول والعرض عند رؤية صورة او منظر مثلا ، ورغم ذلك ندرك بعدا ثالثا وهو العمق ادراكا عقليا ، فالعمق كبعد ليس معطى حسي بل حكم عقلي . هذا ، وتؤكد الملاحظة البسيطة والتجربة الخاصة ، اننا نحكم على الاشياء على حقيقتها وليس حسب ما تنقله لنا الحواس ، فندرك مثلا العصا في بركة ماء مستقيمة رغم ان الاحساس البصري ينقلها لنا منكسرة ، و يٌبدي لنا الاحساس الشمس وكانها كرة صغيرة و نحكم عليها – برغم ذلك – انها اكبر من الارض . كما تتدخل في عملية الادراك جملة من العوامل المتعلقة بالذات المٌدرِكة ؛ منها عمل التوقع ، حيث ندرك الموضوعات كما نتوقع ان تكون وحينما يغيب هذا العامل يصعب علينا ادراك الموضوع ، فقد يحدث مثلا ان نرى انسانا نعرفه لكننا لا ندركه بسهولة ، لأننا لم نتوقع الالتقاء به . وللاهتمام والرغبة والميل دروا هاما في الادراك ، فالموضوعات التي نهتم بها ونرغب فيها و نميل اليها يسهل علينا ادراكها اكثر من تلك البعيدة عن اهتماماتنا ورغباتنا وميولاتنا . كما ان للتعود دورا لا يقل عن دور العوامل السابقة ، فالعربي مثلا في الغالب يدرك الاشياء من اليمين الى اليسار لتعوده على الكتابة بهذا الشكل ولتعوده على البدء دائما من اليمين ، بعكس الاوربي الذي يدرك من اليسار الى اليمين . ثم انه لا يمكن تجاهل عاملي السن والمستوى الثقافي والتعليمي ، فإدراك الراشد للاشياء يختلف عن ادراك الصبي لها ، وادراك المتعلم او المثقف يختلف بطبيعة الحال عن ادراك الجاهل . وفي الاخير يتأثر الادراك بالحالة النفسية الدائمة او المؤقتة ، فإدراك الشخص المتفاءل لموضوع ما يختلف عن ادراك المتشاءم له . 1- جـ - النقد : ولكن انصار هذه النظرية يميزون ويفصلون بين الادراك والاحساس ، والحقيقة ان الادراك كنشاط عقلي يتعذر دون الاحساس بالموضوع اولا . كما انهم يؤكدون على دور الذات في عملية الادراك ويتجاهلون تجاهلا كليا اهمية العوامل الموضوعية ، وكأن العالم الخارجي فوضى والذات هي التي تقوم بتنظيمه . 2- أ – عرض نقيض الاطروحة :وخلافا لما سبق ، يرى انصار علم النفس الجشطالتي من بينهم الالمانيان كوفكا وكوهلر والفرنسي بول غيوم ، أن ان ادراك الاشياء عملية موضوعية وليس وليد احكام عقلية تصدرها الذات ، كما انه ليس مجوعة من الاحساسات ، فالعالم الخارجي منظم وفق عوامل موضوعية وقوانين معينة هي " قوانين الانتظام " . ومعنى ذلك ان الجشطالت يعطون الاولوية للعوامل الموضوعية في الادراك ولا فرق عندهم بين الاحساس والادراك . 2- ب – الحجة :وما يثبت ذلك ، ان الادراك عند الجميع يمر بمراحل ثلاث : ادراك اجمالي ، ادراك تحليلي للعناصر الجزئية وادراك تركيبي حيث يتم تجميع الاجزاء في وحدة منتظمة . وفي هذه العملية ، ندرك الشكل بأكمله ولا ندرك عناصره الجزئية ، فاذا شاهدنا مثلا الامطار تسقط ، فنحن في هذه المشاهدة لا نجمع بذهننا الحركات الجزئية للقطرات الصغيرة التي تتألف منها الحركة الكلية ، بل ان الحركة الكلية هي التي تفرض نفسها علينا . كما ان كل صيغة مدركة تمثل شكلا على ارضية ، فالنجوم مثلا تدرك على ارضية هي السماء ، و يتميز الشكل في الغالب بانه اكثر بروزا ويجذب اليه الانتباه ، أما الارضية فهي اقل ظهورا منه ، واحيانا تتساوى قوة الشكل مع قوة الارضية دون تدخل الذات التي تبقى تتأرجح بين الصورتين . ثم إن الادراك تتحكم فيه جملة من العوامل الموضوعية التي لا علاقة للذات بها ، حيث اننا ندرك الموضوعات المتشابهة في اللون او الشكل او الحجم ، لانها تشكل في مجموعها " كلا " موحدا ، من ذلك مثلا انه يسهل علينا ادراك مجموعة من الجنود او رجال الشرطة لتشابه الـزي ، اكثر من مجموعة من الرجال في السوق او الملعب . وايضا يسهل علينا ادراك الموضوعات المتقارية في الزمان والمكان اكثر من الموضوعات المتباعدة ، حيث ان الموضوعات المتقاربة تميل الى تجمع بأذهاننا ، فالتلميذ مثلا يسهل عليه فهم وادراك درس ما اذا كانت عناصره متقاربة في الزمان ، ويحدث العكس اذا ما تباعدت . و اخيرا ، ندرك الموضوعات وفق صيغتها الفضلى ، فندرك الموضوعات الناقصة كاملة مع نها ناقصة ، فندرك مثلا الخط المنحني غير المغلق دائرة ، وندرك الشكل الذي لا يتقاطع فيه ضلعان مثلثا بالرغم انهما ناقصان . ويتساوى في ذلك الجميع ، مما يعني ان الموضوعات المدرَكة هي التي تفرض نفسها على الذات المٌدرِكة 2- جـ - النقد : ولكن الالحاح على اهمية العوامل الموضوعية في الادراك واهمال العوامل الذاتية لاسيما دور العقل ، يجعل من الشخص المدرك آلة تصوير او مجرد جهاز استقبال فقط مادامت الموضوعات هي التي تفرض نفسها عليه سواء اراد ذلك او لم يرد ، مما يجعل منه في النهاية مجرد متلقي سلبي منفعل لا فاعل . 3 – التركيب : ان الادراك من الوظائف الشديدة التعقيد ، وهو العملية التي تساهم فيها جملة من العوامل بعضها يعود الى نشاط الذات وبعضها الآخر الى بنية الموضوع ، على اعتبار ان هناك تفاعل حيوي بين الذات والموضوع ، فكل ادراك هو ادراك لموضوع ، على ان يكون لهذا الموضوع خصائص تساعد على ادراكه . III – حل المشكلة :وهكذا يتضح ان الادراك لا يعود الى فاعلية الذات فقط او الى بنية الموضوع فحسب ، من حيث انه لا وجود لادراك بدون موضوع ندركه ، على يكون هذا الموضوع منظم وفق عوامل معينة تسهل من عملية ادراكه وفهمه . لذلك يمكننا القول ان الادراك يعود الى تظافر جملة من العوامل سواء صدرت هذه العوامل عن الذات او عن الموضوع .
المقالة الرابعة حول البيولوجيا :هل يمكن اخضاع المادة الحية للمنهج التجريبي على غرار المادة الجامدة ؟ جدلية I- طرح المشكلة :تختلف المادة الحية عن الجامدة من حيث طبيعتها المعقدة ، الامر الذي جعل البعض يؤمن ان تطبيق خطوات المنهج التجربيي عليها بنفس الكيفية المطبقة في المادة الجامدة متعذرا ، و يعتقد آخرون ان المادة الحية كالجامدة من حيث مكوناتها مما يسمح بامكانية اخضاعها للدراسة التجريبية ، فهل يمكن فعلا تطبيق المنهج التجريبي على المادة الحية على غرار المادة الجامدة ؟ II– محاولة حل المشكلة : 1- أ- الاطروحة :يرى البعض ، أنه لا يمكن تطبيق المنهج التجرببي على الظواهر الحية بنفس الكيفية التي يتم فيها تطبيقه على المادة الجامدة ، إذ تعترض ذلك جملة من الصعوبات و العوائق ، بعضها يتعلق بطبيعة الموضوع المدروس ذاته و هو المادة الحية ، و بعضها الاخر الى يتعلق بتطبيق خطوات المنج التجريبي عليها . 1-ب- الحجة : و يؤكد ذلك ، أن المادة الحية – مقارنة بالمادة الجامدة – شديدة التعقيد نظرا للخصائص التي تميزها ؛ فالكائنات الحية تتكاثر عن طريق التناسل للمحافظة على النوع و الاستمرار في البقاء . ثم إن المحافظة على توازن الجسم الحي يكون عن طريقالتغذية التي تتكون من جميع العناصر الضرورية التي يحتاجها الجسم . كما يمر الكائن الحي بسلسلة من المراحل التي هي مراحل النمو ، فتكون كل مرحلة هي نتيجة للمرحلة السابقة و سبب للمرحلة اللاحقة . هذا ، و تعتبر المادة الحية مادة جامدة أضيفت لها صفة الحياة من خلال الوظيفة التي تؤديها ، فالكائن الحي يقوم بجملة من الوظائف تقوم بها جملة من الاعضاء ، مع تخصص كل عضو بالوظيفة التي تؤديها و اذا اختل العضو تعطلت الوظيفة و لا يمكن لعضو آخر أن يقوم بها . و تتميز الكائنات الحية – ايضا – بـالوحدة العضوية التي تعني ان الجزء تابع للكل و لا يمكن أن يقوم بوظيفته الا في اطار هذا الكل ، و سبب ذلك يعود الى أن جميع الكائنات الحية – باستثناء الفيروسات – تتكون من خلايا . بالاضافة الى الصعوبات المتعلقة بطبيعة الموضوع ، هناك صعوبات تتعلق بالمنهج المطبق و هو المنهج التجريبي بخطواته المعروفة ، و أول عائق يصادفنا على مستوى المنهج هو عائق الملاحظة ؛ فمن شروط الملاحظة العلمية الدقة و الشمولية و متابعة الظاهرة في جميع شروطها و ظروفها و مراحلها ، لكن ذلك يبدو صعبا ومتعذرا في المادة الحية ، فلأنها حية فإنه لا يمكن ملاحظة العضوية ككل نظرا لتشابك و تعقيد و تداخل و تكامل و ترابط الاجزاء العضوية الحية فيما بينها ، مما يحول دون ملاحظتها ملاحظة علمية ، خاصة عند حركتها أو اثناء قيامها بوظيفتها . كما لا يمكن ملاحظة العضو معزولا ، فالملاحظة تكون ناقصة غير شاملة مما يفقدها صفة العلمية ، ثم ان عزل العضو قد يؤدي الى موته ، يقول أحد الفيزيولوجيين الفرنسيين : « إن سائر اجزاء الجسم الحي مرتبطة فيما بينها ، فهي لا تتحرك الا بمقدار ما تتحرك كلها معا ، و الرغبة في فصل جزء منها معناه نقلها من نظام الاحياء الى نظام الاموات ». و دائما على مستوى المنهج ، هناك عائق التجريب الذي يطرح مشاكل كبيرة ؛ فمن المشكلات التي تعترض العالم البيولوجي مشكلة الفرق بين الوسطين الطبيعي و الاصطناعي ؛ فالكائن الحي في المخبر ليس كما هو في حالته الطبيعية ، إذ أن تغير المحيط من وسط طبيعي الى شروط اصطناعية يشوه الكائن الحي و يخلق اضطرابا في العضوية و يفقد التوازن . ومعلوم ان التجريب في المادة الجامدة يقتضي تكرار الظاهرة في المختبر للتأكد من صحة الملاحظات و الفرضيات ، و اذا كان الباحث في ميدان المادة الجامدة يستطيع اصطناع و تكرار الظاهرة وقت ما شاء ، ففي المادة الحية يتعذر تكرار التجربة لأن تكرارها لا يؤدي دائما الى نفس النتيجة ، مثال ذلك ان حقن فأر بـ1سم3 من المصل لا يؤثر فيه في المرة الاولى ، و في الثانية قد يصاب بصدمة عضوية ، و الثالثة تؤدي الى موته ، مما يعني أن نفس الاسباب لا تؤدي الى نفس النتائج في البيولوجيا ، و هو ما يلزم عنه عدم امكانية تطبيق مبدأ الحتمية بصورة صارمة في البيولوجيا ، علما ان التجريب و تكراره يستند الى هذا المبدأ . و بشكل عام ، فإن التجريب يؤثر على بنية الجهاز العضوي ، ويدمر أهم عنصر فيه وهو الحياة . و من العوائق كذلك ، عائق التصنيف و التعميم ؛ فإذا كانت الظواهر الجامدة سهلة التصنيف بحيث يمكن التمييز فيها بين ما هو فلكي أو فيزيائي أو جيولوجي وبين أصناف الظواهر داخل كل صنف ، فإن التصنيف في المادة الحية يشكل عقبة نظرا لخصوصيات كل كائن حي التي ينفرد بها عن غيره ، ومن ثـمّ فإن كل تصنيف يقضي على الفردية ويشوّه طبيعة الموضوع مما يؤثر سلبا على نتائج البحث . وهذا بدوره يحول دون تعميم النتائج على جميع افراد الجنس الواحد ، بحيث ان الكائن الحي لا يكون هو هو مع الانواع الاخرى من الكائنات ، ويعود ذلك الى الفردية التي يتمتع بها الكائن الحي . 1-جـ- النقد : لكن هذه مجرد عوائق تاريخية لازمت البيولوجيا عند بداياتها و محاولتها الظهور كعلم يضاهي العلوم المادية الاخرى بعد انفصالها عن الفلسفة ، كما ان هذه العوائق كانت نتيجة لعدم اكتمال بعض العلوم الاخرى التي لها علاقة بالبيولوجيا خاصة علم الكمياء .. و سرعان ما تــمّ تجاوزها . 2-أ- نقيض الاطروحة : وخلافا لما سبق ، يعتقد البعض أنه يمكن اخضاع المادة الحية الى المنهج التجريبي ، فالمادة الحية كالجامدة من حيث المكونات ، وعليه يمكن تفسيرها بالقوانين الفيزيائية- الكميائية أي يمكن دراستها بنفس الكيفية التي ندرس بها المادة الجامدة . ويعود الفضل في ادخال المنهج التجريبي في البيولوجيا الى العالم الفيزيولوجي ( كلود بيرنار ) متجاوزا بذلك العوائق المنهجية التي صادفت المادة الحية في تطبيقها للمنهج العلمي . 2-ب- الادلة : و ما يثبت ذلك ، أنه مادامت المادة الحية تتكون من نفس عناصر المادة الجامدة كالاوكسجين و الهيدروجين و الكربون و الازوت و الكالسيوم و الفسفور ... فإنه يمكن دراسة المادة الحية تماما مثل المادة الجامدة . هذا على مستوى طبيعة الموضوع ، اما على مستوى المنهج فقد صار من الممكن القيام بالملاحظة الدقيقة على العضوية دون الحاجة الى فصل الاعضاء عن بعضها ، أي ملاحظة العضوية وهي تقوم بوظيفتها ، و ذلك بفضل ابتكار وسائل الملاحظة كالمجهر الالكتروني و الاشعة و المنظار ... كما اصبح على مستوى التجريب القيام بالتجربة دون الحاجة الى ابطال وظيفة العضو أو فصله ، و حتى و إن تــمّ فصل العضو الحي فيمكن بقائه حيا مدة من الزمن بعد وضعه في محاليل كميائية خاصة . 2-جـ- النقد : ولكن لو كانت المادة الحية كالجامدة لأمكن دراستها دراسة علمية على غرار المادة الجامدة ، غير ان ذلك تصادفه جملة من العوائق و الصعوبات تكشف عن الطبيعة المعقدة للمادة الحية . كما انه اذا كانت الظواهر الجامدة تفسر تفسيرا حتميا و آليا ، فإن للغائية إعتبار و أهمية في فهم وتفسير المادة الحية ، مع ما تحمله الغائية من اعتبارات ميتافيزيقية قد لا تكون للمعرفة العلمية علاقة بها . 3- التركيب : و بذلك يمكن القول أن المادة الحية يمكن دراستها دراسة العلمية ، لكن مع مراعاة طبيعتها وخصوصياتها التي تختلف عن طبيعة المادة الجامدة ، بحيث بحيث يمكن للبيولوجيا ان تستعير المنهج التجريبي من العلوم المادية الاخرى مع الاحتفاظ بطبيعتها الخاصة ، يقول كلود بيرنار : « لابد لعلم البيولوجيا أن يأخذ من الفيزياء و الكمياء المنهج التجريبي ، مع الاحتفاظ بحوادثه الخاصة و قوانينه الخاصة ». III- حل المشكلة :وهكذا يتضح ان المشكل المطروح في ميدان البيولوجيا على مستوى المنهج خاصة ، يعود اساسا الى طبيعة الموضوع المدروس و هو الظاهرة الحية ، والى كون البيولوجيا علم حديث العهد بالدراسات العلمية ، و يمكنه تجاوز تلك العقبات التي تعترضه تدريجيا .
المقالة الخامسة حول الشعور : هل الشعور كافٍ لمعرفة كل حياتنا النفسية ؟ الجدلية . I – طرح المشكلة : ان التعقيد الذي تتميز به الحياة النفسية ، جعلها تحظى باهتمام علماء النفس القدامى والمعاصرون ، فحاولوا دراستها وتفسير الكثير من مظاهرها . فاعتقد البعض منهم ان الشعور هو الاداة الوحيدة التي تمكننا من معرفة الحياة النفسية ، فهل يمكن التسليم بهذا الرأي ؟ او بمعنى آخر : هل معرفتنا لحياتنا النفسية متوقفة على الشعور بها ؟ II – محاولة حل المشكلة : 1-أ- عرض الاطروحة : يذهب انصارعلم النفس التقليدي من فلاسفة وعلماء ، الى الاعتقاد بأن الشعور هو أساس كل معرفة نفسية ، فيكفي ان يحلل المرء شعوره ليتعرف بشكلٍ واضح على كل ما يحدث في ذاته من احوال نفسية او ما يقوم به من افعال ، فالشعور والنفس مترادفان ، ومن ثـمّ فكل نشاط نفسي شعوري ، وما لا نشعر به فهو ليس من انفسنا ، ولعل من ابرز المدافعين عن هذا الموقف الفيلسوفان الفرنسيان " ديكارت " الذي يرى أنه : « لا توجد حياة أخرى خارج النفس الا الحياة الفيزيولوجية » ، وكذلك " مين دو بيران " الذي يؤكد على أنه : « لا توجد واقعة يمكن القول عنها انها معلومة دون الشعور بها » . وهـذا كله يعني ان الشعور هو اساس الحياة النفسية ، وهو الاداة الوحيدة لمعرفتها ، ولا وجود لما يسمى بـ " اللاشعور " . 1-ب- الحجة : ويعتمد انصار هذا الموقف على حجة مستمدة من " كوجيتو ديكارت " القائل : « أنا أفكر ، إذن أنا موجود » ، وهذا يعني ان الفكر دليل الوجود ، وان النفس البشرية لا تنقطع عن التفكير الا اذا انعم وجودها ، وان كل ما يحدث في الذات قابل للمعرفة ، والشعور قابل للمعرفة فهو موجود ، اما اللاشعور فهو غير قابل للمعرفة ومن ثـمّ فهو غير موجود . اذن لا وجود لحياة نفسية لا نشعر بها ، فلا نستطيع ان نقول عن الانسان السّوي انه يشعر ببعض الاحوال ولا يشعر بأخرى مادامت الديمومة والاستمرار من خصائص الشعور . ثـم إن القول بوجود نشاط نفسي لا نشعر به معناه وجود اللاشعور ، وهذا يتناقض مع حقيقة النفس القائمة على الشعور بها ، فلا يمكن الجمع بين النقيضين الشعور واللاشعـور في نفسٍ واحدة ، بحيث لا يمكن تصور عقل لا يعقل ونفس لا تشعر . وأخيرا ، لو كان اللاشعور موجودا لكان قابلا للملاحظة ، لكننا لا نستطيع ملاحظته داخليا عن طريق الشعور ، لأننا لا نشعر به ، ولا ملاحظته خارجيا لأنه نفسي ، وماهو نفسي باطني وذاتي . وهذا يعني ان اللاشعور غير موجود ، وماهو موجود نقيضه وهو الشعور . 1-جـ- النقد : ولكن الملاحظة ليست دليلا على وجود الاشياء ، حيث يمكن ان نستدل على وجود الشئ من خلال آثاره ، فلا أحد يستطيع ملاحظة الجاذبية او التيار الكهربائي ، ورغم ذلك فاثارهما تجعلنا لا ننكر وجودهما . ثم ان التسليم بأن الشعورهو اساس الحياة النفسية وهو الاداة الوحيدة لمعرفتها ، معناه جعل جزء من السلوك الانساني مبهما ومجهول الاسباب ، وفي ذلك تعطيل لمبدأ السببية ، الذي هو اساس العلوم . 2-أ- عرض نقيض الاطروحة : بخلاف ما سبق ، يذهب الكثير من انصار علم النفس المعاصر ، ان الشعور وحده ليس كافٍ لمعرفة كل خبايا النفس ومكنوناتها ، كون الحياة النفسية ليست شعورية فقط ، لذلك فالانسان لا يستطيع – في جميع الاحوال – ان يعي ويدرك اسباب سلوكه . ولقد دافع عن ذلك طبيب الاعصاب النمساوي ومؤسس مدرسة التحليل النفسي " سيغموند فرويد " الذي يرى أن : « اللاشعور فرضية لازمة ومشروعة .. مع وجود الادلة التي تثبت وجود اللاشعور » . فالشعور ليس هـو النفس كلها ، بل هناك جزء هام لا نتفطن – عادة – الى وجوده رغم تأثيره المباشر على سلوكاتنا وأفكارنا وانفعالاتنا .. 2-ب- الحجة : وما يؤكد ذلك ، أن معطيات الشعور ناقصة ولا يمكنه أن يعطي لنا معرفة كافية لكل ما يجري في حياتنا النفسية ، بحيث لا نستطيع من خلاله ان نعرف الكثير من أسباب المظاهرالسلوكية كالاحلام والنسيان وهفوات اللسان وزلات الاقلام .. فتلك المظاهر اللاشعورية لا يمكن معرفتها بمنهج الاستبطان ( التأمل الباطني ) القائم على الشعور ، بل نستدل على وجودها من خلال اثارها على السلوك . كما أثبت الطب النفسي أن الكثير من الامراض والعقد والاضطرابات النفسية يمكن علاجها بالرجوع الى الخبرات والاحداث ( كالصدمات والرغبات والغرائز .. ) المكبوتة في اللاشعور. 2جـ - النقد : لا شك ان مدرسة التحليل النفسي قد أبانت فعالية اللاشعور في الحياة النفسية ، لكن اللاشعور يبقى مجرد فرضية قد تصلح لتفسير بعض السلوكات ، غير أن المدرسة النفسية جعلتها حقيقة مؤكدة ، مما جعلها تحول مركز الثقل في الحياة النفسية من الشعور الى اللاشعور ، الامر الذي يجعل الانسان اشبه بالحيوان مسيّر بجملة من الغرائز والميول المكبوتة في اللاشعور. 3- التركيب : وهكذا يتجلى بوضوح ، أن الحياة النفسية كيان معقد يتداخل فيه ماهو شعوري بما هو لاشعوري ، أي انها بنية مركبة من الشعور واللاشعور ، فالشعور يمكننا من فهم الجانب الواعي من الحياة النفسية ، واللاشعور يمكننا من فهم الجانب اللاواعي منها . III– حل المشكلة :وهكذا يتضح ، أن الانسان يعيش حياة نفسية ذات جانبين : جانب شعوري يُمكِننا ادراكه والاطلاع عليه من خلال الشعور ، وجانب لاشعوري لا يمكن الكشف عنه الا من خلال التحليل النفسي ، مما يجعلنا نقول أن الشعور وحده غير كافٍ لمعرفة كل ما يجري في حيتنا النفسية .
المقالة السادسة حول اللغة : دافع عن الاطروحة القائلة : " أن اللغة منفصلة عن الفكر وتعيقه " الاستقصاء بالوضع I- طرح المشكلة : تعد اللغة بمثابة الوعاء الذي يصب فيه الفرد أفكاره ، ليبرزها من حيز الكتمان الى حيز التصريح . لكن البعض أعتقد ان اللغة تشكل عائقا للفكر ، على اعتبار أنها عاجزة عن إحتوائه والتعبير عنه ، مما يفترض تبني الاطروحة القائلة ان اللغة منفصلة عن الفكر وتعيقه ، ولكن كيف يمكن الدفاع عن هذه الاطروحة ؟ II- محاولة حل المشكلة : 1- أ - عرض الاطروحة كفكرة : يرى أنصار الاتجاه الثنائي ، أن هناك انفصال بين الفكر واللغة ، و أنه لا يوجد تناسب بين عالم الافكار وعالم الالفاظ ، حيث ان ما يملكه الفرد من أفكار و معان يفوق بكثير ما يملكه من الفاظ وكلمات ، مما يعني ان اللغة لا تستطيع ان تستوعب الفكر او تحتويه ، ومن ثــــمّ فهي عاجزة عن التبليغ او التعبير عن هذا الفكر . 1- ب - مسلمات الاطروحة : الفكر أسبق من اللغة و أوسع منها ، بحيث ان الانسان يفكر بعقله قبل ان يعبر بلسانه . 1- ج – الحجة : كثيرا ما يشعر الانسان بسيل من الخواطر والافكار تتزاحم في ذهنه ، لكنه يعجز عن التعبير عنها ، لانه لا يجد الا الفاظا محدودة لا تكفي لبيانها ، وعلى هذا الاساس كانت اللغة عاجزة عن إبراز المعاني المتولدة عن الفكر ابرزا تاما وكاملا ، يقول أبو حيان التوحيدي : " ليس في قوة اللغة ان تملك المعاني " ويقول برغسون : " اننا نملك افكارا اكثر مما نملك اصواتا " - اللغة وُضعت اصلا للتعبير عما تواضع او اصطلح عليه المجتمع بهدف تحقيق التواصل وتبادل المنافع ، وبالتالي فهي لا تعبر الا على ما تعارف عليه الناس ( أي الناحية الاجتماعية للفكر ) ، ويبقى داخل كل فرد جوانب عميقة خاصة وذاتية من عواطف ومشاعر لا يستطيع التعبير عنها ، لذلك كانت اللغة عاجزة عن نقل ما نشعر به للآخرين ، يقول فاليري : أجمل الافكار ، تلك التي لا نستطيع التعبير عنها . - إبتكار الانسان لوسائل التعبير بديلة عن اللغة كالرسم و الموسيقى ما يثبت عجز اللغة عن استيعاب الفكر و التعبير عنه . 2- تدعيم الاطروحة بحجج شخصية ( شكلا ومضمونا ) : تثبت التجربة الذاتية التي يعيشها كل انسان ، أننا كثيرا ما نعجز عن التعبير عن كل مشاعرنا وخواطرنا وافكارنا ، فنتوقف اثناء الحديث او الكتابة بحثا عن كلمة مناسبة لفكرة معينة ، أو نكرر القول : " يعجز اللسان عن التعبير " ، او نلجأ الى الدموع للتعبير عن انفعالاتنا ( كحالات الفرح الشديد ) ، ولو ذهبنا الى بلد اجنبي لا نتقن لغته ، فإن ذلك يعيق تبليغ افكارنا ، مما يثبت عدم وجود تناسب بين الفهم والتبليغ . 3- أ – عرض منطق خصوم الاطروحة : يرى انصار الاتجاه الاحادي ، أن هناك اتصال ووحدة بين الفكر واللغة ، وهما بمثابة وجهي العملة النقدية غير القابلة للتجزئة ، فاللغة والفكر شيئا واحدا ، بحيث لا توجد افكار بدون الفاظ تعبر عنها ، كما انه لا وجود لالفاظ لا تحمل أي فكرة او معنى . وعليه كانت اللغة فكر ناطق والفكر لغة صامتة ، على الاعتبار ان الانسان بشكل عام يفكر بلغته ويتكلم بفكره . كما أثبت علم النفس ان الطفل يولد صفحة بيضاء خالية من أي افكار و يبدأ في اكتسابها بموازاة مع تعلمه اللغة . وأخيرا ، فإن العجز التي توصف به اللغة قد لا يعود الى اللغة في حد ذاتها ، بل الى مستعملها الذي قد يكون فاقدا لثروة لغوية تمكنه من التعبير عن افكاره . 3- ب – نقد منطقهم : لكن ورغم ذلك ، فإن الانسان يشعر بعدم مسايرة اللغة للفكر ، فالادباء مثلا رغم امتلاكهم لثروة لغوية يعانون من مشكلة في التبليغ ، وعلى مستوى الواقع يشعر أغلب الناس بعدم التناسب بين الفكر واللغة . III- حل المشكلة : وهكذا يتضح ان هناك شبه انفصال بين اللغة والفكر ، باعتبار ان الفكر اسبق واوسع من اللغة ، وان اللغة تقوم بدور سلبي بالنسبة له ، فهي تعيقه وتفقده حيويته ، مما يعني ان الاطروحة القائلة : " أن اللغة منفصلة عن الفكر وتعيقه " اطروحة صحيحة . المقالة السابعة حول اللغة أيضا : السؤال : يقول هيبوليت : « إذا فكرنا بدون لغة ، فنحن لا نفكر » دافع عن الأطروحة التي يتضمنها القول . الاستفصاء بالوضع
i - طرح المشكل : اذا كانت اللغة اداة للفكر ، بحيث يستحيل ان يتم التفكير بدون لغة ؛ فكيف يمكن اثبات صحة هذه الفكرة ؟ ii - محاولة حل المشكل : 1-أ- عرض الموقف كفكرة : ان الفكر لا يمكن ان يكون له وجود دون لغة تعبر عنه ، إذ لا وجودلأفكار لا يمكن للغة ان تعبر عنا ، حيث أن هناك – حسب انصار الاتجاه الاحادي - تناسب بين الفكر واللغة ، ومعنى ذلك أن عالم الافكار يتناسب مع عالم الالفاظ ، أي ان معاني الافكارتتطابق مع دلالة الالفاظ ، فالفكر واللغة وجهان لعملة واحدة غير قابلة للتجزئة فـ« الفكر لغة صامتة ، واللغة فكر ناطق » . 1- ب- المسلمات : البرهنة: ما يثبت ذلك ، ما اكده علم نفس الطفل من ان الطفل يولد صفحة بيضاء خاليا تماما من اية افكار ، ويبدأ في اكتسابها بالموازاة مع تعلمه اللغة ، وعندما يصل الى مرحلة النضج العقلي فإنه يفكر باللغة التي يتقنها ، فالافكار لا ترد الى الذهن مجردة ، بل مغلفة باللغة التي نعرفها فـ« مهما كانت الافكار التي تجيئ الى فكر الانسان ، فإنها لا تستطيع ان تنشأ | |
|
MESSI عضو عادي
تاريخ التسجيل : 29/10/2009 العمر : 29
| موضوع: رد: عشر (10) مقالات فلسفية ،لاتعوض السبت 24 أبريل 2010 - 9:53 | |
| | |
|