بسم الله الرحمن الرحيم
من المعروف أن التربية نشاط أو عملية اجتماعية هادفة ، وأنها تستمد مادتها من المجتمع الذي توجد فيه ؛ إذ إنها رهينة المجتمع بكل ما فيه ومن فيه من عوامل ومؤثرات وقوى وأفراد ، وأنها تستمر مع الإنسان منذ أن يولد وحتى يموت ؛ لذلك فقد كان من أهم وظائفها إعداد الإنسان للحياة ، والعمل على تحقيق تفاعله وتكيفه المطلوب مع مجتمعه الذي يعيش فيه فيؤثر فيه ويتأثر به .
ولأن هذا التأثر والتأثير لا يُمكن أن يحصل إلا من خلال المؤسسات الاجتماعية المتنوعة التي تتولى مهمة تنظيم علاقة الإنسان بغيره ، وتعمل على تحقيق انسجامه المطلوب مع ما يُحيط به من كائناتٍ ومكونات ؛ فإن العملية التربوية مستمرة مع الإنسان منذ أن يولد وحتى يموت ؛ وتتم من خلال المؤسسات التربوية الاجتماعية التي تتولى مهمة تربية الإنسان ، وتكيفه مع مجتمعه ، وتنمية وعيه الإيجابي ، وإعداده للحياة فيه . وتُعد هذه المؤسسات التربوية بمثابة الأوساط أو التنظيمات التي تسعى المجتمعات لإيجادها تبعاً لظروف المكان والزمان ، حتى تنقُل من خلالها ثقافاتها ، وتطور حضاراتها ، وتُحقق أهدافها وغاياتها التربوية .
وهنا تجدر الإشارة إلى أن المؤسسات التربوية لا تكون على نمطٍ واحدٍ ، أو كيفيةٍ واحدةٍ طول حياة الإنسان ، إذ إنها متعددة الأشكال ، مختلفة الأنماط ، وتختلف باختلاف مراحل عمر الإنسان ، وظروف مجتمعه ، وبيئته المكانية والزمانية والمعيشية ، وما فيها من عوامل وقوى .كما تختلف باختلاف نوعية النشاط التربوي الذي تتم ممارسته فيها .
وهنا يمكن تعَريف المؤسسات التربوية بأنها تلك البيئات أو الأوساط التي تُساعد الإنسان على النمو الشامل لمختلف جوانب شخصيته ، والتفاعل مع من حوله من الكائنات ، والتكيف مع من ما حوله من مكونات.
ويأتي من أبرز وأهم هذه المؤسسات التربوية في المجتمع الأسرة والمدرسة وجماعة الرفاق إلى جانب المسجد ووسائل الإعلام والأندية وأماكن العمل ونحوها من المؤسسات المختلفة التي تؤثر على تربية الإنسان سواءً كان ذلك التأثير بطريقةٍ مُباشرةٍ أو غير مباشرة .
ومعنى هذا أن تربية الإنسان لا يمكن أن تتم إلا من خلال بعض المؤسسات أو الوسائط الاجتماعية المختلفة . ونظراً لكثرة هذه المؤسسات وتنوعها واختلاف أشكالها وأنماطها ؛ فقد عَرَف المجتمع المسلم عبر تاريخه الطويل عدداً من هذه المؤسسات الاجتماعية التربوية والتعليمية المختلفة التي كانت نتاجاً طبيعياً للعديد من المطالب والتحديات والتغيرات الحضارية التي طرأت بين حينٍ وآخر على العالم الإسلامي . بل إن كل مؤسسة من المؤسسات التربوية التي عُرفت في الإسلام إنما نشأت استجابةً لحاجةٍ وظروفٍ اجتماعيةٍ معينة .
ويأتي من أبرز هذه المؤسسات التربوية والتعليمية ما يلي :
1 ) الأُسرة ( المنـزل ) : وهي الخلية الأولى التي يتكون منها نسيج المجتمع ، كما أنها الوسط الطبيعي الذي يتعهد الإنسان بالرعاية والعناية منذ سنوات عمره الأولى . وقد حث الإسلام على تكوينها والاهتمام بها لأثرها البارز في بناء شخصية الإنسان وتحديد معالمها منذ الصغر . وتتكون الأسرة في الغالب من مجموعة أفراد تجمعهم فيها ظروف المعيشة الواحدة ؛ وتربطهم رابطةٌ شرعيةٌ قائمةٌ على المودة والمحبة .
وتُعد الأسرة أهم المؤسسات التربوية الاجتماعية التي لها الكثيـر من الوظائف ، وعليها العديد من الواجبات الأساسية حيث تُعتبر بمثابة المحضن الأول الذي يعيش الإنسان فيها أطول فترةٍ من حياته ، كما أن الإنسان يأخذ عن الأُسرة العقيدة ، والأخلاق ، والأفكار ، والعادات ، والتقاليد ، وغير ذلك من السلوكيات الإيجابية أو السلبية .
وللأسرة وظائف كثيرةٌ ومتنوعة لا سيما أنها تُعنى بتنمية ورعاية جميع الجوانب الشخصية للإنسان في مختلف مراحل عمره . وعلى الرغم من اشتراك الأسرة المسلمة مع غيرها من الأسر في أداء بعض الوظائف التربوية ؛ إلا أن للأُسرة المسلمة بعضاً من الوظائف التربوية المميزة التي من أبرزها ما يلي :
أ ) العمل على تزويد المجتمع المسلم بالذرية الصالحة التي تُحقق قوله صلى الله عليه وسلم : " تزوجوا الولود الودود ؛ فإني مُكاثرٌ بكم " ( رواه النسائي ، الحديث رقم 3026 ، ص 680 ) . والتي تكون عاملاً قوياً في تحقق واستمرار الحياة الأُسرية ، وضمان استقرارها .
ب ) تحقيق عوامل السكون النفسي والطمأنينة لجميع أفراد الأسرة حتى تتم عملية تربيتهم في جوٍّ مُفعمٍ بالسعادة بعيداً عن القلق والتوتر والضياع . ويأتي ذلك تحقيقاً لقوله تعالى : } وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون َ{ ( سورة الروم : الآية رقم 21 ) .
ج ) حُسن تربية الأبناء والقيام بواجب التنشئة الاجتماعية الإيجابية ، والعمل على صيانة فطرتهم عن الانحراف والضلال ، تحقيقاً لقوله صلى الله عليه وسلم :" كُلُّ مولودٍ يُولدُ على الفطرة فأبواهُ يُهوِّدانِهِ ، أو يُنصِّرانِهِ ، أو يُمجِّسانِهِ " ( رواه البخاري ، الحديث رقم 1385، ص 222 ) .
د ) توفير مقومات التربية الإسلامية الصحيحة لأفراد الأسرة عن طريق العناية بمختلف الجوانب الشخصية للإنسان ( روحياً ، وعقلياً ، وجسمياً ) . والحرص على توازنها وتكاملها لما لذلك كله من الأثر الكبير في تشكيل وتكوين الشخصية المسلمة السوية ، والعمل على تفاعلها وتكيفها مع ما حولها من المكونات ، ومن حولها من الكائنات بصورةٍ ايجابيةٍ ، ومستمرةٍ طول فترة الحياة .
هـ ) الحرص على توعية أعضاء الأسرة وخاصة الصغار منهم بكل نافعٍ ومفيد ، والعمل على تصحيح مفاهيمهم المغلوطة ، وحمايتهم من كل ما يُهدد سلامتهم وسلامة غيرهم ، وتعليمهم الأخلاق الكريمة ، والآداب الفاضلة ، والعادات الحسنة حتى يشبون عليها ، ويتعودون على مبدأ التحلي بالفضائل ، والتخلي عن الرذائل .
و ) إكساب أعضاء الأسرة الخبرات الأساسية والمهارات الأولية اللازمة لتحقيق تكيفهم وتفاعلهم المطلوب مع الحياة ، وإكسابهم الثقة بالنفس ، والقدرة على التعامل مع الآخرين .
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الدور التربوي للأُسرة في عصرنا الحاضر قد تقلص بعض الشيء ولم يعد بنفس المنـزلة التي كان عليها من قبل ، والسبب في ذلك أن هناك مؤسساتٍ اجتماعيةٍ أُخرى تمكنت في العصر الحاضر من مُزاحمة الأسرة والسيطرة على معظم الوقت الذي يقضيه الإنسان تحت تأثيرها ومن هذه المؤسسات وسائل الإعلام التي تُعد بحق في عصرنا أهم وأبرز المؤسسات التربوية الاجتماعية المؤثرة تأثيراً فاعلاً في حياة الإنسان صغيراً كان أو كبيراً ، جاهلاً أو مُتعلماً ، ذكراً أو أُنثى .
2 ) المسجد : يُعد المسجد أبرز وأهم المؤسسات الاجتماعية التربوية التي ارتبطت بالتربية الإسلامية ارتباطاً وثيقاً نظراً لعددٍ من العوامل التي أدت في مجموعها إلى ذلك الارتباط والتلازم ؛ لا سيما وأن المسجد لم يكن في المجتمع المسلم الأول مجرد مكان لأداء العبادات المختلفة فقط بل كان أشمل من ذلك ؛ إذ كان جامعاً لأداء العبادات من الفرائض والسُنن والنوافل ، وجامعةً للتعليم وتخريج الأكفاء من الخلفاء والعلماء والفقهاء والأمراء ، ومعهداً لطلب العلم ونشر الدعوة في المجتمع ، ومركزاً للقضاء والفتوى ، وداراً للشورى وتبادل الآراء ، ومنبراً إعلامياً لإذاعة الأخبار وتبليغها ، ومنـزلاً للضيافة وإيواء الغرباء ، ومكاناً لعقد الألوية وانطلاق الجيوش للجهاد في سبيل الله تعالى ، ومنتدُى للثقافة ونشر الوعي بين الناس ، إلى غير ذلك من الوظائف الاجتماعية المختلفة .
وبذلك يمكن القول إن المسجد في الإسلام يُعد جامعاً وجامعةً ، ومركزاً لنشر الوعي في المجتمع ، ومكاناً لاجتماع المسلمين ، ولم شملهم ، وتوحيد صفهم . وهو بحق أفضل مكانٍ ، وأطهر بقعةٍ ، وأقدس محلِّ يمكن أن تتم فيه تربية الإنسان المسلم وتنشئته ، ليكون بإذن الله تعالى فرداً صالحاً في مجتمعٍ صالحٍ .
ولعل من أهم ما يُميز رسالة المسجد التربوية في المجتمع المسلم أنه يُعطي التربية الإسلامية هويةً مميزةً لها عن غيرها ، وأنه مكانٌ للتعليم والتوعية الشاملة ، التي يُفيد منها جميع أفراد المجتمع على اختلاف مستوياتهم ، وأعمارهم ، وثقافاتهم ، وأجناسهم ؛ إضافةً إلى فضل التعلم في المسجد ، وما يترتب على ذلك من عظيم الأجر وجزيل الثواب . فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله ، يتلون كتاب الله ، ويتدارسونه بينهم إلا حفتهم الملائكة ، ونزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وذكرهم الله فيمن عنده " ( رواه ابن ماجة ، ج 1، الحديث رقم 225 ، ص 82 ) .
3 ) المدرسة : وهي من أهم وأبرز المؤسسات الاجتماعية التربوية التي أنشأها المجتمع للعناية بالتنشئة الاجتماعية لأبنائه ، وتربيتهم ، وتهيئتهم ، وإعدادهم للحياة . وعلى الرغم من أنه لا يُعرف متى وأين وكيف ظهرت أول مدرسةٍ في التاريخ إلا أنه يُمكن القول : إنها ظهرت عندما دعت الحاجة إليها . ولعل من أبرز وأهم وظائف المدرسة ما يلي :
* أنها تعمل على تبسيط ونقل التُراث المعرفي والثقافي ونحو ذلك من جيل الكبار إلى جيل الصغار ، أو من المعلمين إلى الطلاب تبعاً لما يتناسب واستعداداتهم وقدراتهم المختلفة ؛ فينتج عن ذلك جيلٌ متعلمٌ ومُثقف .
* أنها تعمل على استكمال ما كان قد تم البدء فيه من تربيةٍ منزلية للفرد ، ثم تتولى تصحيح المفاهيم المغلوطة ، وتعديل السلوك الخاطئ ، إضافةً إلى قيامها بمهمة التنسيق والتنظيم بين مختلف المؤسسات الاجتماعية ذات الأثر التربوي في حياة الفرد فلا يحدث نوع من التضارب أو التصادم أو العشوائية .
* أنها تقوم بدورٍ كبيرٍ في عصرنا الحاضر حينما تكون في معظم الأحيان بديلاً للأُسرة إذ يتشرب الصغار فيها عادات وقيم وأخلاق وسلوكيات مجتمعهم الذي يعيشون فيه .
* أنها بمثابة مركز الإشعاع المعرفي في البيئة التي توجد فيها ؛ إذ إنها تُقدم للمجتمع كله خدماتٍ كثيرة ومنافع عديدة من خلال نشر الوعي الصحيح بمختلف القضايا ، وكيفية التعامل السليم مع من حول الإنسان وما حوله .
* أنها تعمل على إشاعة الوعي الإيجابي عند أبناء المجتمع تجاه مختلف القضايا الفردية أو الجماعية سواءً كان ذلك بطريقٍ مُباشرٍ أو غير مُباشر .
4 ) وسائل الإعلام : وهي مؤسسات اجتماعية تربوية إعلامية تكون في العادة مرئيةً ، أو مسموعةً ، أو مقروءة . وتُعد هذه الوسائل على اختلاف أنواعها من أهم وأبرز الوسائط التربوية في عصرنا الحاضر ، وأكثرها تأثيـراً على تربية وثقافة ووعي الإنسان ؛ حيث تُقدم برامج مختلفة وثقافات متنوعة من خلال وسائلها الجماهيرية المختلفة التي منها : الإذاعة ، والتلفزيون ، والفيديو ، والصحافة ، وشبكة الإنترنت ، وأشرطة التسجيل السمعية ، والسينما ، والمسارح ، والمعارض ، والمتاحف ، وغيرها من الوسائل الأُخرى التي تُخاطب جميع الفئات ، ومختلف الأعمار ، وتدخل كل بيت ، وتصل إلى كل مكان .
وتمتاز وسائل الإعلام بقدرتها الفائقة على جذب اهتمام الناس من مختلف الأعمار ؛ والثقافات ؛ والبيئات . كما تمتاز بأن لها تأثيراً قويًّا على الرأي العام في مختلف الظروف ، وأن تأثيرها يصل إلى قطاعاتٍ عريضةٍ من فئات المجتمع ؛ وهذا يعني أنه من المهم جدًّا استثمارها ، والإفادة منها ، والعمل على تسخيرها بشتى الطرق والكيفيات لخدمة أهداف وأغراض التربية الإسلامية ؛ عن طريق التنسيق المستمر بين هذه الوسائل وغيرها من المؤسسات التربوية الأُخرى في المجتمع .وعن طريق إسناد مهمة الإشراف عليها لمن تتوافر فيه الكفاءة الدينية والخُلقية والعلمية والمهارية .
5 ) النـوادي أو الأندية : وهي مؤسسات اجتماعية تربوية تكون في الغالب ( ثقافيةً ، أو رياضيةً ، أو اجتماعية ) . وقد كثُر انتشارها في المجتمعات المعاصرة . وتُعد أماكن يلتقي فيها الإنسان مع فئـةٍ من الناس الذين يجمعهم هدفٌ مشترك ، أو مصلحةٌ مشتركةٌ ؛ حيث إنها تُقدم إمكاناتٍ هائلةً لحياةٍ اجتماعيةٍ يُقبل عليها الأفراد باختيارهم وطواعيتهم ، ليتمتعوا في رفقة زملائهم وأقرانهم بجوٍ من المرح والعمل . وفي الأندية فرصٌ متعددةٌ لممارسة الرياضات المفضلة ، وتكوين العلاقاتٍ الاجتماعية مع الآخرين . وتزداد أهمية الأندية في التنشئة الاجتماعية – كما يُشير إلى ذلك بعض الباحثين - مع زيادة عجز الأُسرة عن توفيـر الفرص الكافية والمناسبة لممارسة النشاطات الرياضية ، والاجتماعية ، والثقافية المختلفة .
وللنوادي ( الأندية ) صورٌ مختلفةٌ ومتنوعةٌ تبعاً لمستوى وعي وثقافة المجتمع وظروفه المختلفة ؛ فمن النوادي ما يكون مخصصاً للرياضة البدنية وممارسة ألعابها ونشاطاتها المختلفة . ومنها ما يكون مخصصاً للعناية بالجوانب الثقافية والأنشطة الأدبية والفعاليات الفكرية ، ومنها ما هو اجتماعيٌ يهتم بخدمة المجتمع وتلبية احتياجات أفراده . إلا أنها تشترك جميعاً في أن لها آثاراً هامةً في بناء شخصية الإنسان ، وتحديد اتجاهاته ، وتكوين ثقافته وفكره ، لا سيما في فترة الشباب من العمر التي يُكثر الإنسان خلالها من تواصله مع هذه المؤسسات بصورةٍ أو بأُخرى . كما أن من آثارها الإيجابية شغلها لأوقات الفراغ عند الإنسان بما يعود عليه بالنفع والفائدة .
وليس هناك من شك في أن التربية الإسلامية تُعنى بالنوادي على اختلاف أنواعها لكونها مؤسساتٍ اجتماعيةٍ تربويةٍ لها أثر بارزٌ ودورٌ فاعلٌ في تربية الإنسان المسلم وتحديد معالم شخصيته ؛ وتحرص على أن تُخضع هذه النوادي وما فيها من أنشطةٍ و فعالياتٍ متنوعة للإشراف المُستمر الواعي ، والتوجيه الصحيح المنضبط الذي يتلاءم ويتوافق مع مبادئ الدين الإسلامي الحنيف ، ولا يتعارض بأي حالٍ مع تعاليمه وتوجيهاته في مختلف المجالات والميادين الحياتية .
6 ) المكتبات العامة : وهي أماكن خاصة تتوافر فيها الكُتب ، والمراجع ، والمواد المطبوعة أو غير المطبوعة التي تُقدِّم عدداً من الخدمات التعليمية ، والتثقيفية ، والإعلامية ، والتوعوية اللازمة لأفراد المجتمع . وعادةً ما تكون هذه المكتبات تحت إشراف بعض الجهات الرسمية . كما أنها قد تكون مُلحقةً ببعض المؤسسات الاجتماعية كالمؤسسات التربوية والتعليمية ، والجوامع ، والنوادي ، وبعض المرافق الاجتماعية الأُخرى . وقد تكون بعض المكتبات خاصةً ببعض الأفراد .
ويأتي من أبرز مهام المكتبات تسهيل مهمة الإطلاع والقراءة على القراء وطلاب العلم ، وتمكين الباحثين والدارسين من القيام بمهمة البحث والدراسة بأنفسهم من خلال المكتبات بالعودة إلى المصادر والمراجع العلمية والأدبية ونحوها ؛ حيث تقوم المكتبات بتوفير أهم المؤلفات والمُصنفات فيها لتكون بين يدي القراء والباحثين عند الرغبة في العودة إليها .
كما أن من أبرز مهام المكتبات تيسير سبل الإطلاع على محتوياتها من خلال نظام الإعارة الخارجية للراغبين في ذلك من روادها أو غيرهم من أفراد المجتمع . وللمكتبات العديد من المناشط التي تُسهم من خلالها في نشر الثقافة والمعرفة ، وخدمة القضايا التربوية والتعليمية والاجتماعية ونحوها . ولعل من أبرز هذه المناشط والإسهامات تنظيم المسابقات الثقافية ، وعقد الدورات التدريبية ، وإقامة المحاضرات والندوات المتنوعة ، وتنظيم معارض الكتاب ، ونحو ذلك من النشاطات المختلفة .
7 ) جماعات الرفاق : وهي نوعٌ من المؤسسات الاجتماعية التربوية التي لها تأثيرٌ كبير في تربية الإنسان انطلاقاً من كونه كائناً حيًّا اجتماعيًّا يميل بفطرته إلى الاجتماع بغيره ، ولذلك فإن جماعة الرفاق في أي مجتمع بمثابة جماعةً أوليةً شأنها شأن الأُسرة في الغالب ؛ لأنها صغيرة العدد ، وتكون عضوية الفرد فيها تبعاً لروابط الجوار ، والشريحة العُمرية ، والميول ، والدور الذي يؤديه الفرد في الجماعة .
ولجماعات الرفاق أثرٌ فاعلٌ في تربية الإنسان وتكوين شخصيته لاسيما في سنوات مرحلتي الطفولة والمراهقة ؛ حيث يكون أكثر تأثراً بأفراد هذه الجماعات الذين يكونون عادةً من الأنداد ، سواء كانوا زملاء دراسةٍ ، أو رفاق لعبٍ ، أو أصدقاء عمر ؛ أو غيرهم ممن يُرافقهم الإنسان لفترات طويلةٍ أو قصيرةٍ . ولعل تأثير جماعة الرفاق على الإنسان عائدٌ إلى اختلاف أفرادها ؛ وتنَّوع ثقافاتهم ؛ واختلاف بيئاتهم .
وهنا تجدر الإشارة إلى أن أماكن العمل سواءً كانت رسميةً أو تطوعية تُعد من جماعات الرفاق إلا أنه يغلب عليها الطابع الرسمي في العادة ، وهي مؤسسات اجتماعيةٌ ذات تأثيرٍ هامٍّ على تربية الإنسان بعامةٍ نظراً لما يترتب على وجوده فيها من احتكاك بالآخرين ؛ إضافةً إلى أنه يقضي فيها جزءاً ليس باليسيـر من وقته الذي يكتسب خلاله الكثير من المهارات ، والعادات ، والطباع ، والخبرات المختلفة . والمعنى أن جماعات الرفاق توجد وتُمارس نشاطاتها المختلفة في المكان الذي يجتمع فيه أفرادها ، حيث تجمعهم – في الغالب – الاهتمامات المشتركة والنشاطات المرغوب فيها كالنشاطات الرياضية ، أو الترويحية ، أو الثقافية ، أو الاجتماعية ، أو الوظيفية ، أو التطوعية ، ونحوها .
كما أن لكل جماعة من جماعات الرفاق ثقافةً خاصةً بهم ، وهذه الثقافة تُعد فرعيةً ومتناسبةً مع مستوياتهم العقلية و العُمرية ، وخبراتهم الشخصية ، وحاجاتهم المختلفة ؛ إلا أنها تختلف من جماعةٍ إلى أخرى ، تبعاً للمستويات الثقافية والتعليمية و العُمرية ، والأوساط الاجتماعية المتباينة .
وقد اهتمت التربية الإسلامية بجماعات الرفاق وأدركت أهميتها ودورها الفاعل في التأثير على سلوك الأفراد سواء كان ذلك التأثير سلبيًّا أو ايجابيًّا ؛ ولعل خير دليلٍ على ذلك ما روي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مثلُ الجليس الصالح و السَّوءِ كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك إمَّا أن يُحْذِيَكَ ، وإمَّا أن تبتاع منه ، وإمَّا أن تجد منه ريحًا طيِّبَةً ، ونافخُ الكِيرِ إمَّا أن يُحرق ثيابك ، وإما أن تجد ريحًا خبيثةً " ( رواه البخاري ، الحديث رقم 5534 ، ص 984 ) .
وعلى الرغم من تعدد أنواع هذه المؤسسات الاجتماعية وتعدد وظائفها و واجباتها إلا أن علاقة الإنسان المسلم بالمؤسسات التربوية في المجتمع تنطلق من كون التربية الإسلامية عمليةً تمتاز بخاصية الشمول والاستمرارية والتجدد ؛ إذ إنه لا حد نهائي لتربية الإنسان المسلم ، فهو طالب علم ومعرفة منذ أن يولد وحتى يموت ، ولذلك فإن تربيته الشاملة ليست محدودةً بزمنٍ ما ، أو مرحلةٍ معينةٍ ، ولا تقتصر مسؤوليتها على مؤسسةٍ دون أُخرى ، ولكنها مسؤولية جميع المؤسسات والأوساط التربوية في المجتمع ، لأن الإنسان يمكن أن يكون في عضواً في عدة مؤسسات تربوية تعليمية ما دام حيًّا ؛ فمثلاً يكون الولد فرداً في أسرة ، وطالباً في مدرسة ، وعضواً في النادي الرياضي ، ومداوماً على الصلاة وحلقات العلوم في المسجد المجاور . وقد يكون الوالد أبـاً في المنـزل ، ومدرساً في مدرسة ، أو طبيباً في المستشفى ، وهو إداريٌّ في النادي ، ومساهم في نشاط الإذاعة والتلفزة . وتكون السيدة أُمـًّا في المنـزل ، وعضوةً في الجمعية النسائية ، وطبيبةً أو مديرة . وهكذا فحياة المسلم أو المسلمة كُلها خيـرٌ وإنتاج ، تعتمد على مزيدٍ من التربية والتعليم .
والخلاصة ، أن للمؤسسات التربوية المختلفة في المجتمع المسلم أهميةً بالغةً ؛ وأثراً بارزاً في العملية التربوية بعامة والتعليمية بخاصة ؛ الأمر الذي يفرض على المهتمين في الميدان التربوي والتعليمي مزيداً من العناية والاهتمام بها ، والحرص على أن تكون مُتميـزةً في المجتمع المسلم ، ومُختلفةً عن مثيلاتها في المجتمعات الأُخرى ؛ نظراً لكون المجتمع المسلم ينفرد عن غيره من المجتمعات الأُخرى بمصادره ، وأهدافه ، وغاياته ، وخصائصه التي تفرض على مؤسساته التربوية المُختلفة في المجتمع المُسلم أن تكون فريدةً هي الأُخرى ، ومُتميزةً ، وقادرةً على تحقيق ما هو مرجوٌّ منها ، لأنها هي المسؤولة عن تربية الإنسان المسلم ، وإعداده لممارسة أدواره ووظائفه الاجتماعية المختلفة في الحياة .
منقول عن :الدكتور صالح بن علي أبو عرَّاد