بسم الله الرحمن الرحيم
السيمفونية السادسة (الطبيعة): بعد انتهاء بتهوفن من كتابة سيمفونيته الخامسة، كانت خواطره و أفكاره الموسيقية التي استوحاها من خلال تجواله بين أحضان المروج و السهول و الوديان و غابات الأرض النمساوية قد تزاحمت في دفتر مذكراته، الذي كان يحمله معه دائماً. فقرر بتهوفن أن تكون سادسته قصيدة رقيقة لوصف الطبيعة، فحبه لها و لحياة الريف قد اكتمل في نفسه و تفاعل في وجدانه، فكرس لها سيمفونية كاملة تعتبر أرق ما كتب، تتغلغل إلى روح كل من خفق قلبه بمفاتن الريف و جماله فوصف فيها مناظر ريفية متعددة، لكنه في الواقع لا يصفها كما هي بقدر ما يصف شعوره تجاهها و يعكس إحساسه لرؤيتها.
كتب بتهوفن السيمفونية الريفية، سادسته من حيث التسلسل السيمفوني، في أثناء إنجازه خامسته، و ذلك في ربيع عام 1808م، و هذا المؤلف هو الوحيد الذي ثبت بتهوفن محتواه الموسيقي بعناوين بارزة لحركاتها الخمسة الرئيسة. و ذكر بتهوفن في الوقت نفسه:
(( إن تفسير معاني أجزائها التفصيلية يتركه للمستمع ))
أي أن بتهوفن كان يهمه قبل كل شيء تقديم فكرة عن الحياة في الريف، و الأحاسيس و الخواطر التي تثيرها الطبيعة في النفس البشرية، و ليس تقديم صورة موسيقية ملونة و منقولة بشكل ميكانيكي عن الطبيعة في الريف. و لذبك نجده من جانب آخر لم يهمل بتهوفن موضوع الإنسان و ارتباطه بالأرض، و حياته في الريف، و علاقته الوثيقة الأزلية بالطبيعة.
فنجد الحركة الأولى و الثانية للسيمفونية تصويراً موسيقياً دقيقاً لطبيعة الريف. (الحركة الثانية ثبتها بتهوفن بهذا العنوان: جلسة على شاطئ البركة)، و في الحركات الثلاث اللاحقة أدخل بتهوفن الإنسان، و ذلك عندما يستعرض أجواء الاحتفال في الريف في الحركة الثالثة، و بانتقاله إلى وصف العاصفة على البلد الوادع في الحركة الرابعة، و كذلك في نهاية السيمفونية عندما ينتقل إلى أغنية الراعي الشاكر ربه على مرور الزوبعة بسلام، و عودة الطبيعة إلى بهجتها.
إن منهجية السيمفونية السادسة (الباستورال) هذه قد مهدت للمؤلفين الرومانتيكيين مبررات مسلكهم المبتكر الجديد، و الذي كانت ذروة نضوجه في ما يسمى بالسيمفونية المنهجية أو السيمفونية ذات البرامج.