بسم الله الرحمن الرحيم
العود:
آلة من أقدم الآلات الموسيقية العربية. فقد عرفه العرب وعزفوا عليه منذ عصور موغلة في القدم. واختلف المؤرخون حول أصل آلة العود فردها بعضهم إلى بلاد فارس، وردها آخرون إلى العبرانيين، كما ردها بعضهم إلى الفراعنة. وفي آثار كل هؤلاء مايدل على استخدام آلة موسيقية تشبه العود إلى حد ما.
ومن المعروف أن أغلب الأعواد التي كانت مستخدمة لدى هذه الشعوب كانت وجوهها مصنوعة من الجلد. أما العود العربي المعروف فوجهه مصنوع من الخشب. ومن هنا جاء الاسم نفسه العود. فالعود لغةً هو ¸كل خشبة؛ دقيقةً كانت أو غليظةً، رطبةً كانت أو يابسة•.
ولعل اسم العود يوضح أن منشأه عربي. ومما يؤكد هذا أن العود قد احتفظ باسمه في كل اللغات مع بعض التحريف البسيط.
فالبرتغاليون ـ على سبيل المثال ـ يسمون العود أولاوود وواضح أنه هو الاسم العربي نفسه لآلة العود المعروفة، وأن التغيير البسيط حدث لصعوبة نطق حرف العين عندهم. ويسمى العود في اللغة الأسبانية اليوتو. والتقارب بين نطق حرف الدال والتاء معروف. ويلاحظ أن أغلب اللغات الأوروبية قد استبدلت بدال العود تاءً. ففي اللغات الإنجليزية والفرنسية والدنماركية ينطق العود لوت، وفي الألمانية لاووت، وفي الإيطالية لاووتو، وفي هولندا لويت، وفي السويدية لوتا.
ومن ثم فإن العود قد أصبح معروفـًا باسمه العربي في كل لغات العالم، ولعل هذا الدليل اللغوي من أقوى الأدلة التي تشير إلى منشأ العود، وأنه آلة عربية أصيلة
.
وصف العود:
هناك أنواع كثيرة من الأعواد التي عرفت في العالم العربي، فقد تفنن العرب في صنعها، بل إن بعضهم قد غير في طريقة ترتيب أجزاء هذه الآلة الموسيقية، ووضع بعض أجزائها بالطريقة التي تريحه في العزف. غير أن العود قد احتفظ بشكلة المعروف في أغلب الأزمان والأمصار.
يتكون العود من صندوق كبير مصنوع من الخشب، يطلق عليه القصعة، أو طاسة العود. وهذه القصعة أو الطاسة هي التي تميز العود عن غيره من الآلات الوترية الأخرى. وهي مغطاة بما يسمى بالصدر، أو الوجه. وهناك فتحات على الصدر تسمى القمرية أو الشمسية. وهذه الفتحات تتكون غالبـًا من وحدة زخرفية دقيقة، قد تكون في شكل فني يحمل اسم العازف أو المغني الذي يستخدم هذا العود.
وهناك مكان قرب نهاية وجه العود يسمى الفرس. وهو مربط أطراف الأوتار. وهناك قطعة تلصق بين الفرس والقمرية، تُسمى الرقمة. ويتمثل عمل هذه الرقمة في صيانة وجه العود من تأثير ضرب الريشة أثناء العزف.
تلصق على القصعة من الأمام رقبة العود، وتسمى أيضـًا زند العود، وعليها تجس الأوتار المشدودة. وعلى رأس الزند تلصق الأنف وهي التي تسند الأوتار وترفعها قليلاً عن الزند.
ويأتي بعد ذلك البنجق، وهو الجزء الذي يلي الرقبة وفيه ثقوب المفاتيح. وتستخدم هذه المفاتيح في ربط الأوتار وتسويتها. أما الأوتار فهي مكونة من أوتار ثنائية، وعددها خمســة. وترتـــب هذه الأوتــار حسـب غلظها ورقتها، وتتدرج من أعلى إلى أسفل بحيث تبدأ بأرق الأصوات يليه الصوت الأغلظ منه وهكذا. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هناك مفتاحـين إضافيين يتركان في العود لإضافة وتر مزدوج سادس عند الحاجة إليه. وقد يشد بعض الموسيقيين سبعة أزواج من الأوتار
كيفية العزف على العود:
تذكر كتب الأدب، وكثير من المراجع الكبيرة مثل كتاب الأغاني قصص العازفين على العود. فالعود عند العرب سلطان الآلات وجالب المسرات. وكانوا يعزفون على هذه الأوتار ـ في بادىء الأمر ـ بقطع صغيرة من الخشب إلى أن ظهرت الريشة، وانتشر استعمالها. وتسمى الريشة أيضـًا المضرب، وهي ريشة من جناح النسر يكون ظهرها أملس، وينقر به على أوتار العود. وتذكر المراجع أن أول من استخدم الريشة في النقر على أوتار العود هو الموسيقار العربي المعروف أبو الحسن علي بن نافع؛ زرياب. وهو أكبر موسيقيي العرب في الأندلس، توفي عام 243هـ، 857م.
وانـتـشـر العزف بالريشة في كل أرجاء العالم. وبخاصة في أوروبا، ويتضح ذلك من الآثار القديمة، واللوحات التي تصور مجالس الطرب والأنس هناك.
ولعل أدق وصف للعود العربي الحديث هو ماكتبه العلامة الفرنسي فيلوتو في كتابه الضخم الذي وضعه في وصف مصر والمكون من واحد وعشرين جزءًا. وقد ذكر فيه احتمال أن تكون فرنسا قد أخذت معلومات عن العود العربي، خلال الحروب الصليبية. وعندما شرع في وصف العود شبهه بنصف الكمثرى، واستمر بعد ذلك في الوصف فأوضح أن وجه العود مسطح، أما القسم الخلفي فمحدب الشكل، وذكر كل أجزائه (الموضحة في الرسم المرفق). وانتقل بعد ذلك إلى ذكر المواد التي يصنع منها العود المصري خاصة. فقال يصنع البنجق من خشب الجوز، وهو مسطوح إلى الوراء، ويبلغ سمك القطعتين الجانبيتين المحتويتين على ثقوب الملاوي ستة مليمترات، في وسطها خط رفيع سمكه مليمتر واحد، ويصنع من خشب الإسفدان.
ويتركب الحاجزان من قسمين: القسم الأول وهو الأعرض، ويبلغ عرضه من جهة الأنف 16ملم، ومن جهة طرف البنجق 11ملم. والقسم الثاني يكون في شكل طوق حول القسم الأول، ويبلغ عرضه سبعة مليمترات، ويشقهما في الوسط خط رفيع. ويصنع في وسط الحاجزين الجانبيين 14 ثقبـًا لتمر فيها 14 ملواة. وتستخدم الملواة في شد الوتر. وتبلغ المسافة بين كل ثقب وآخر 14ملم. وتصنع الملاوي من خشب الزعرور، وقد صنع في ساق كل منها ثقب لمرور الوتر.
أما العنق فهو مسطح من الأمام ـ حيث تلامسه الأصابع ـ ومستدير من الخلف. وتتكون خزنة الصوت أو القصعة من 21 ضلعـًا، وتصنع من خشب الإسفدان وهي منفصلة عن بعضها بخصلات رفيعة جدًا مصنوعة من خشب سانتا روسيا، والضلعان الكائنان على طرفي القصعة من الجانبين هما اللذان يحملان الوجه وهذان الضلعان أقل الضلوع عرضـًا.
ومن بعد مسافة 135 ملم من نهاية العود يبدأ جرم العود في التناقص في العرض وفي العمق حتى طرف البنجق ويتناقص أيضـًا من تلك النقطة إلى الكعب
ولم يترك فيلوت جزءًا من أجزاء العود دون أن يصفه وصفـًا دقيقـًا، ويذكر مقاييسه بالمليمترات ويوضح انحناءاته وشكله
اشتهر من الموسيقيين العرب عدد كبير ممن تخصصوا في العزف على العود وأبدعوا. ولعل من أشهرهم على الإطلاق الفيلسوف المعروف الفارابي الذي بلغ شأنـًا كبيرًا في الفلسفة والفكر وفاق في الموسيقى كل أهل زمانه. فكما يعترف بفضله ابن سينا ويذكر بأنه قد استقى كل علمه من الفارابي، يعترف له الموسيقيون وخاصة أولئك الذين يعزفون على العود.
وهناك قصة ذات طابع أسطوري توحي بمقدرة الفارابي في العزف على العود. وذلك أنه استطاع بمصاحبة بعض العازفين أن يعزف لحنًا كان مسجلاً على قرطاس، وأن يحدث بعزفه آثارًا مختلفة في نفوس الحاضرين، فيقال أنه أضحكهم وأبكاهم بل وأنامهم.
ومن أمهر من عزف على العود من العرب القدماء الفيلسوف يعقوب الكندي الذي يقال أنه وضع سلـّمًا خاصًا باسمه. كما أن منهم إسحاق الموصلي وزرياب، ومن المعاصرين محمد القصبجي ورياض السنباطي ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش ومنير بشير.