الدعاء المستجاب
لو أغلق الله يومًا هذا الباب علينا، ولم يعد يستجاب لنا من بعدها أي دعاء، فاعلم حينها أن الحرام قد دخل إلى أغلب بيوتنا واختلط بطعامنا، وانتهى مستقرًا هناك في عروقنا وعظامنا.
كم بحث الإنسان ونقب عن هذا السر العظيم والدعاء المستجاب الذي يقولون عنه إنه لا يرد، ليقضي به حاجته، ويفك به كربته، فلقد ضاقت به السبل وأغلقت عليه الأبواب، وتكالبت عليه الأسباب، ولم يبق أمامه إلا من بابه وحده لا يغلق أبدا، ولا يطرد السائلين عن جنابه؛ فقد وسعت رحمته كل شيء.
فلولا الابتلاء لما بحثنا عن الدعاء، لكنهما رحمة من الله، فالعنوانان معا: الابتلاء والدعاء، بابان متلازمان تتجلى فيهما حكمة الله ورحمته، ليبقى عبده هناك على باب الرجاء ولا يذهب بعيدا مستقلا ومستغنيا؛ لأن في هذا ضلاله وهلاكه، فكان من جميل ستره أن أوقع به الابتلاء ليعود إليه، فعريض الدعاء ما كان أبدا من الغني صحيح البدن ولا ميسور الحال، بل من الفقير والمريض والمهموم والمحزون والمظلوم والمحروم، ومن فارق الأحبة والخلان، وآخر مظلوم ظلمه أخوه الإنسان. فالابتلاء سر الدعاء ووجهه الآخر؛ فمن أراد أن يجد الدعاء المستجاب فليبحث عنه في رسالة الابتلاء.
وقد عجبت ممن يبحث عن سر الدعاء المستجاب في بطون الكتب وخصوصيات العباد مع ربهم، وراح يجرب الدعاء كوصفة طبية، وكل له مرضه وحالته، وراح ينتظر الشفاء ولم تصل الإجابة، فجرب غيره ووقف على الأبواب متذللا، ولكن بلا جواب، فراح يتمتم: يا أهل السماوات، هل أغلقت السماوات في وجه الزوار أبوابها، ولم يعد هناك من يرعى شئون العباد فعادت على أدبارها؟ فكانت الرسالة واضحة: إنك تبحث في المكان الخطأ، وأنت اليوم لست من زوارها، ولا تعرف القليل من أسرارها، ولو عرفت شيئا منها لعرفت أن الدعاء المستجاب قد أرسل إليك مرفقا مع رسالة الابتلاء، فأبحث عنه في أسرارها.
إن كنت ضعيفًا في فهم الأسرار فأبحث عن الدعاء المستجاب الذي لا يرد أبدًا في هذه العبارة: "تجيبني متأخرا أو قد لا تجيبني حين أدعوك، وتستعجلني حين تدعوني! فكيف لي أن أكون حين ترجوني وأنا لا أجدك حين أرجوك؟!".
فمن وجد السر في هذه العبارة فقد وجد الدعاء المستجاب، وكل دعاء قد يعرض عليك من بعده سيكون له مجرد دعاء، ومن لم يجده فعليه البقاء هناك حتى يلاقي وجه ربه، وليناد كما شاء بأعلى صوته: هل هناك من يلبي النداء؟
كتاب: من عرف نفسه عرف الله.