لماذا نتعلم الموسيقى؟
دراسات وأبحاث ركزت على الفوائد الكثيرة للتربية الموسيقية، خصوصاً في سن مبكر. وهذه الفوائد ليست فقط لصالح الموهوبين أو الراغبين بالتخصص في مجال الموسيقى، بل تتعمم على كل الطلاب، وتنعكس إيجابياتها على شتى مجالات الحياة.
فالتدريب الموسيقي بسن مبكر يساعدعلى تطوير مناطق الدماغ المختصة باللغة والمنطق. هذه إحدى الفوائد المهمة من تعلم الموسيقى .
من المعتقد به أن تطوير الدماغ يستمر لسنوات عديدة بعد الولادة. وقد أشارت دراسات حديثة بشكل واضح أن التدريب الموسيقي يطور بدنياً جزءا من الجهة اليسرى من الدماغ، المعروف أنه معني بمسألة اللغة. كما أن الربط بين الأغاني المألوفة والمعلومات الجديدة قد يساعد أيضاً في ترسيخ هذه المعلومات بالأذهان الشابة.
وهناك أيضا رابط سببي بين الموسيقى والذكاء المكاني أو الفضائي (القدرة على إدراك العالم بدقة، وتكوين صوراً ذهنية للأشياء). هذا النوع من الذكاء هو حاسم بالنسبة لطريقة التفكير اللازمة لكل المهام، بدءاً بحل مسائل رياضية متقدمة، وصولاً إلى توضيب حقيبة كتب تحتوي كل ما هو لازم لليوم.
وبشكل عام، إن طلاب الفنون يتعلمون كيفية التفكير بطريقة إبداعية، وحل المسائل والمشاكل من خلال تخيّل حلول مختلفة لها، ورفض القواعد والافتراضات القديمة. فالأسئلة حول الفن لا يمكن أن يكون لها جواب صحيح واحد فقط.
احترام الثقافات والأجناس:-
فضلاً عن ذلك، إن الدراسات الحديثة تظهر أن الطلاب الذين يدرسون الفنون هم أكثر نجاحاً في الاختبارات الموحدة ، كما أنهم يحققون درجات أعلى في المراحل الدراسية العليا.
وإن دراسة الفنون تمنح الأطفال نظرة داخلية على ثقافات أخرى، وتعلمهم كيف يكونوا متعاطفين مع أبناء تلك الثقافات. هذا التطوير في مشاعر الرحمة والتعاطف، على عكس تنمية الجشع والسلوك المبني على فكرة الـ «أنا أولاً»، يكوّن جسر لعبور الهوة بين الثقافات، ما يؤدي إلى تعلم احترام الأجناس الأخرى منذ سن صغير.
وطلاب الموسيقى يكتسبون أيضاً الحرفية من خلال تعلمهم كيفية جمع التفاصيل بعناية، وتمييزهم بين العمل الجيد مقارنة بالعادي. فعندما يسعى الطالب لتطبيق هذه المعايير على عمله الخاص، سيتطلب منه هذا الأمر مستوى جديد من التميّز، ويدفعه نحو توسيع مصادره الداخلية.
العمل ضمن فريق:-
ومن خلال الموسيقى، يتعلم الطلاب قيمة الجهد المتكبد لتحقيق التفوق، والمكافأة الملموسة على العمل الشاق. ففي الموسيقى، الغلطة هي غلطة: إما تكون الآلة موزونة أو لا، إما تعزف النوتات جيداً أو لا،إما يتحقق المدخل أو لا.. ولا يمكن تقديم أداء ناجح إلا بالعمل الشاق. إلى جانب ذلك، فدراسة الموسيقى تقوي الانضباط ومهارات العمل ضمن فريق. فلكي تقدم الأوركسترا صوتاً موحداً، على كل العازفين أن يعملوا معاً بتجانس تجاه هدف واحد هو الأداء، وأن يلتزموا بدروس الموسيقى، وبالمشاركة في كل التمارين والتدريبات.
أن الموسيقى توفر للأطفال طريقة للتعبير عن ذاتهم. ففي الظروف الراهنة اليوم، التحدي هو جعل الحياة مليئة بالمعاني، وبلوغ مستوى أعلى من التطوير. وكل إنسان يحتاج من وقت لآخر أن يكون على اتصال مباشر مع صميم داخله، مع ما هو عليه وما يشعر به. ويأتي التقدير الذاتي كنتيجة للتعبير الذاتي.
العمل بجهد وتحمل المخاطر:-
ثم إن دراسة الموسيقى تطور مهارات أساسية في مجالات العمل، حيث تركز على «التصرف»، بدلاً من المراقبة، وتعلم الطلاب كيف يؤدون، بكل معنى الكلمة، أينما كانوا في العالم. فالشركات تبحث عن موظفين بأبعاد متعددة، وعقول مرنة ومطواعة. ولا شك أن الموسيقى تساعد على خلق هذه الصفات. وفي الحصص الموسيقية، يمكن للطلاب أن يتعلموا أيضاً كيف يتواصلون مع بعضهم بعضا ويتعاونوا في ما بينهم بشكل أفضل.
ومن المهم ذكره أيضا أن الأداء الموسيقي يعلم الصغار كيف يسيطرون على مخاوفهم ويتحملون المخاطر. فالقلق حاضر بأوقات كثيرة في المرء، لذا فإن التعامل معه بوقت مبكر، وبشكل متكرر، يجعله أقل حدة. واتخاذ المخاطر هو أمر أساسي للطفل إذا أراد تطوير قدراته بشكل كامل. يكفي القول إن ما يعيشه ويتعرض إليه الطفل خلال تعلمه الموسيقى لا يقارن بأي مجال آخر. بالتالي فإن الفوائد المكتسبة من تعلم الموسيقى لا تتوفر بهذا الأسلوب وبهذه الكثافة إلا في هذا المجال.
ألم يحن الوقت لنتعلم ونعلم أبناءنا الموسيقى ونعطيها بعض
من اهتمامنا؟