هل تروي لولدك قصة قبل نومه؟ كثيرٌ هم الجزائريون الذين يسخرون من هذه الفكرة، بل ويعتبرونها سخافة ومضيعة للوقت وتقليدٌ غربي. لكن الدراسات والبحوث أثبتت أن الأطفال الذين كانوا يسمعون حكايات وروايات في صغرهم، أكثر ذكاءً وأشد فطنة وأخصب خيالا من غيرهم، بل أن القصص خاصة المفيدة تساهم بشكل كبير في التنشئة الصحيحة للطفل.
تجهل كثير من الأسر الجزائرية، قواعد التربية الصحيحة والمفيدة للأطفال، فأمور بسيطة يتجاهلونها قد يكون لها فضل كبير في تنمية ذكاء وقدرات أبنائهم، ومنها قصص قبل النوم. فقليل جدا بل نادر أن نجد آباء جزائريين محافظين على عادة رواية القصص لأطفالهم كل ليلة، فنحن الجزائريين اكتشفنا القصص قبل النوم من خلال الأفلام الغربية والرسوم المتحركة فقط.
وإن كان أجدادنا توارثوا جيلا عن آخر، حكايات تروى للأطفال، تكون شخصياتها خيالية ومخيفة، والهدف منها ترهيب الطفل لجعله ينام باكرا أو يتوقف عن المشاغبة. ومن هذه الشخصيات "الغولة"، وشخصية "عيْشة أمّ كراع" المنتشرة ببعض مناطق عين الدفلى وحسب الرواية، أن "عيْشة" كائن له رجْل واحدة تخرج فقط ليلا لتخطف الأطفال.
ولكم أن تتخيلوا الليلُة التي سيمضيها طفل استمع لمثل هذه الخرافات. وحسب علماء النفس فإن الأطفال الذين يستمعون إلى قصص مخيفة ليلا عن كائنات خرافية ووحوش مرعبة، يصابون بمرض التبول اللاارادي، وتلازمهم عقد الخوف وعدم المواجهة حتى الكِبر، كما يصابون بالأرق ليلا، ما يؤثر على دراستهم وتركيزهم نهارا، ولا تفارقهم الأحلام المخيفة والصراخ أثناء النوم .
ولهذا ينصح المختصون، أن تكون القصص هادفة، تتحدث مثلا عن شخصية دينية أو علمية مشهورة، أو عن بلدان وأماكن تاريخية معينة أو قصص من القرآن، وقصص مسلية وهادفة عن الحيوانات. في حين يجب تجنب القصص الرومانسية وقصص الحب والغرام وفارس الأحلام.. حتى لا ينتبه الطفل وهو في سن صغيرة إلى مثل هذه الأمور.
ومن فوائد القصة، أنها تزوِّد الطفل بمخزون معلومات يعينه في مشواره الدراسي، كما أن الطفل الذي عوّده والداه على سماع قصة كل ليلة أو في أوقات معينة، سيعيش طفولة ممتعة وسعيدة، يقول المختصون أنه سيتذكرها حتى وهو شيخ. والقصص والحكايات لها تأثير إيجابي في تكوين شخصية الطفل وإكسابه مواعظ وحكما، كالصدق، صون الأمانة، الادخار... كما أن حكاية قبل النوم تنقل الطفل إلى عالم الخيال الرحب المليء بالآمال والأحلام, وستصبح جزءا لا يتجزأ من ماضيه.
والقصة لها مفعول السحر على الأطفال، فهي تجعل خيالهم خصبا وتساعدهم في عملية التفكير والاستنتاج والتخمين، وكلها عمليات عقلية مهمة توسع مدارك الأطفال، وتساعدهم على التقاط المهارات اللغوية بشكل أسرع، وتنمى ثقافتهم، تغرس فيهم حب القراءة منذ الصغر حتى قبل دخول المدرسة، فيصبح الكتاب خير صديق للطفل، يعرف قيمته منذ صغره ولا يستطيع الاستغناء عنه في كبره.
ليندة شابة في 28 من عمرها، عزباء، وتعمل بمؤسسة خاصة لها أخوة متزوجون، تقول إن أبناء إخوتها الخمسة والذين لا يتعدى أكبرهم 9 سنوات، وعندما يجتمعون في منزل الجدة، يطلبون منها دائما ليلا أن تقص لهم حكاية، فكانت تروي لهم "مُجبرة" روايات من محض خيالها لتتخلص من إزعاجهم، وبعد مدة اكتشفت أن الأطفال ومنهم من يبلغ 3 سنوات فقط من عمره حفظوا تلك الروايات عن ظهر قلب وتأثروا بها، وعندما يعودون في المرة المقبلة، يعاودون سردها على مسامعها، رغم أنها تنساها كلية.
ما جعلها تسرد عليهم حكايات مفيدة خاصة من القرآن، فقصت عليهم مرة حكاية ذي القرنين وسيدنا موسى، وتفاجأت بتعلقهم بها، ومنذ تلك اللحظة صاروا يشترون بمفردهم قصصا لقراءتها، كما أصبحوا مجتهدين في حصة التعبير الكتابي، بعدما صار لديهم خيال خصب.