كان لزاما على مصالح الأمن المختصة، وهي تنقل الجناة المتورطين في قتل البريئين هارون وإبراهيم، نهار أمس الأحد، من سجن بوالصوف في قسنطينة، إلى قاعة المجلس توخّي الحذر، فاختارت السادسة صباحا في السرّ والكتمان، لتفادي غضب المواطنين الذي تدفقوا على مقر محكمة قسنطينة منذ الثامنة، للمطالبة بتشديد العقاب على السفّاحين، وكان لزاما التواجد القوي لمصالح الأمن التي مكّنت من إجراء المحاكمة في ظروف مثالية، بداية من الساعة العاشرة إلا دقيقتين إلى غاية الربعة والنصف بعد العصر، كما شكل حضور عائلتي الضحيتين وخاصة والدتي هارون وإبراهيم، اللتين لم تتوقفا عن البكاء طوال المحاكمة، ولم يتمكن والد الضحية إبراهيم السيد مراد حشيش، من الحضور لهول الموقعة، كما غاب الشاهد الرئيسي وهو الرعية الصيني.
وتمت تلاوة قرار الإحالة بتفاصيله المؤلمة فأخذ وقتا طويلا لتنطلق الاستجوابات في جوّ مشحون، حيث راح المتهم المعروف باسم "كاتاستروف" المسمى (حمزة أ) ينفي التهم المنسوبة إليه، إذ حاول إنكار ما اعترف به لدى الضبطية القضائية، معللا ذلك بخوفه من الضرب، ولكنه اعترف بتهمة الاختطاف، أما الاعتداء الجنسي والقتل فنفاهما ورماهما لشريكه، ولكن إنكاره لم يدم طويلا لأن رئيس الجلسة، واجهه بأقواله وتصريحاته أمام قاضي التحقيق، وبأدلة ثابتة منها تواجد منيّه على جسدي الضحيتين، وهي القرينة التي أكدها التقرير الطبي الذي لم يترك للمتهم أي وسيلة للهروب من مصيره.
هكذا تعرّف مامين على "كاتاستروف" وغرقا في بحر الرذيلة
وروى المتهم قصة تعرفه على المتهم الثاني "مامين" منذ أربع سنوات، وفضائحهما الأخلاقية سويا، وكيف طلب منه أن يعيره شقته، لأنه يعاني من مشاكل عائلية بحكم أنه صديقه، وذهبا معا لإحضار بعض اللوازم ليتجها نحو الوحدة الجوارية رقم 17 بالمدينة الجديدة علي منجلي التي تبعد عن قسنطينة بـ15 كلم، حوالي الساعة الثانية والنصف زوالا، وهناك وجدا الضحيتين يلعبان سويا، فقال له السفّاح مامين: "نطلعوهم باش نعڤبو بيهم شويا وقت"، مرجعا سبب جريمة الخطف لتعاطيهما المخدرات، وهو ما جعل رئيس الجلسة يردّ عليه: "ما دمتما فاقدين للوعي، لماذا لم تقتلا نفسيكما "ورحتو لأولاد الرجال لتخطفوهم؟"
مامين قتل هارون بأنبوب و"كاتاستروف" قتل إبراهيم بحزام السروال
فاعترف بأنه هو من أحضرهما إلى الشقة بعد أن طلب منهما أن يتوجها إلى الوحدة الجوارية رقم 19 بحكم عدم معرفته للطريق الموصل إليها، وفعلا تم ذلك وصعدا معا إلى الشقة، وزعم بأنه لم يكن يحمل سكينا ولم يُخفهما، وأوهمهما "مامين" بأنه هو كذلك سيأخذ أمانة من صديقه وعليهما أي الطفلين أن يوصلاه إلى الطريق لأنه غريب عن الحي بقوله: "واين كنت واش بيك طوّلت أعطيني لمانة تاعي ولوليدات يرجعو ينعتولي الطريق"، وهكذا ابتلع البريئان الطُعم، ودخلا الشقة باطمئنان، وادّعى المتهم بأنه طلب من "مامين" إطلاق سراحهما لكنه رفض، وذهب هو لشراء الأكل وتركهما معه ولما عاد صارحه بأنه اعتدى عليهما جنسيا وهنا قرر عدم إطلاق سراحهما لأنهما سيتعرّفان عليهما.
القاضي للمتهمين: "لماذا لم تقتلا نفسيكما بدلا عن خطف الأبرياء"
ناكرا ممارسته الفعل المخل بالحياء عليهما، فقدّم رئيس الجلسة طريقة القتل حسب اعترافهما السابق، حيث اعتدى "مامين" على البريئين جنسيا بالعنف في عدة مناسبات، ثم تولى خنق هارون بأنبوب بلاستيكي أصفر اللون، وتولى المدعو "كاتاستروف" خنق البريء إبراهيم بحزام سرواله، أما "كاتاستروف" فقال أنه هو من نقل الجثتين، حيث حماهما بلحاف منزلي فوضع الأول أمام ورشة بناء، ورمى الثاني من شرفة المنزل، وختم بالقول أنه مقتنع بما قام به، وهو ما جعل والدة هارون تصيح بأعلى صوتها.. حسبي الله ونعم الوكيل، أما المدعو "مامين" فراح يستعمل الميم فقط.. ما نعرفش، ما شفتش مانيش أنا.. نافيا كل التهم وملصقا الجرائم بشريكه "كاتاستروف"، كما نفى المتهم الثالث المدعو (ز.بلال) بجرم التستر أن يكون شارك في نقل الضحايا بصفته "كلوندستان"، لينطلق فريق المحامين المكوّن من أربعة أساتذة متطوعين في مرافعة مراطونية في هاته القضية التي وصفوها بالاستثنائية والمفجعة، وعادوا إلى تاريخ الحادثة التي هزّت الجزائر شهر مارس المنصرم، وأدخلت المواطنين في حالة من الهلع منذ اختفاء الطفلين البريئين من أمام منزليهما لمدة أربعة أيام متتالية انطلاقا من التاسع من شهر مارس، ليتحوّل الهلع بعد مرور الأربعة أيام إلى حزن وشجن عاشته كل الجزائر، بعد اكتشاف أن وراء اختفاء الطفلين البريئين قصة كبيرة ومحزنة بدايتها الخطف ونهايتها القتل خنقا، ذهب ضحيتها الطفلان حشيش إبراهيم، البالغ من العمر 9 سنوات، وهارون بودايرة، البالغ من العمر 10 سنوات وأحد حفظة كتاب الله، وتساءل المحامون بأي ذنب قتلا؟ فقد خرجا ليلعبا بالقرب من منزليهما دون أن يعلما بأنه سترتكب في حقهما أبشع الجرائم على وجه الأرض وهي الخطف، والاغتصاب والقتل خنقا، من طرف المدعو "مامين" البالغ من العمر 38 سنة والمدعو "كتاستروف" البالغ من العمر 21 عاما، قبل أن يظهر التحقيق تورط متهم ثالث هو (ز. بلال) البالغ من العمر 27 سنة الذي حاول الإنكار ورافع لأجله محاميان تم استقدامهما من خارج ولاية قسنطينة، في محاكمة رفض كل محامي الجزائر التوكّل فيها لصالح المتهمين.
"كاتاستروف": "رحم الله إبراهيم وهارون"
المحامون عادوا إلى 9 مارس الفارط، ووصفوه باليوم الأسود في تاريخ الجزائر، عندما خرج الطفلان هارون وإبراهيم للعب رفقة بقية أطفال الحي في الوحدة الجوارية 17 بالمدينة الجديدة علي منجلي، هناك استدرجهما المتهم "كتاستروف" الذي اتضح من خلال قرار الإحالة أنه يدّعى أيضا بـ"بيغن" نسبة للسفّاح الصهيوني، وأغرى الولدين بأن يذهبا معه ليريهما الكلاب الأليفة، وبراءة الطفلين جعلتهما يتبعانه دون علم بما ينتظرهما، فحدث الاختطاف الطوعي المقنن للطفلين فأخذهما إلى بناية مهجورة، وانتظر عودة صديقه "مامين" الذي كان في الملعب، وعندما عاد صديقه إلى المنزل بدأ فيلم الاغتصاب والاعتداء الجنسي على الطفلين مع استعمال العنف عليهما، خاصة من قبل المدعو "مامين"، وفي ليلة الإثنين، قرر المتهمان التخلص للأبد من الطفلين خنقا خوفا من أن يصرحا لعائلتيهما بما تعرضا له، فكان الحل الوحيد عندهما هو التخلص منهما خنقا، وفي صبيحة اليوم الموالي، وضع المتهمان جثتي الطفلين الأول في كيس بلاستيكي أسود اللون، والثاني في حقيبة خضراء اللون، وحملهما المتهم "كتاستروف"، ورمى الحقيبتين أمام بناية بالمدينة الجديدة علي منجلي، وانصرف دون أن يعلم بأن رعية صيني شاهده وهو يلقي بالكيس والحقيبة، ليشاهد مواطن الكيس فالتمّ شمل المواطنين الذين احتاروا لاختفاء الطفلين ليكتشفوا بعد مدة قصيرة الحقيبة، فدخلت الجزائر كلها في حزن، والأمرّ في الحكاية أن المدعو "كاتاستروف" لعب دور المنشغل باختفاء الصغيرين والحزين على مصيرهما، فكان رفقة الجمع يسأل وحتى خلال المحاكمة كان يقول بين الحين والآخر، رحمهما الله كلما ذكر الطفلين، ظنا منه أنه يستعطف هيئة المحكمة، التي منحت الكلمة للنائب العام، الذي التمس الإعدام في حق الجانيين "كاتاستروف" و"مامين" والمؤبد في حق المتهم الثالث، وبعد المداولة أقرت المحكمة الإعدام للجانيين.