ليس هناك أي احتمال لأن تكون هذه الأغنية أجمل من الشكل الذي وصلتنا به, وأصبحت فيه جزءا من الثروة الثقافية العربية ككل.
تشدك أولى حركات مجموعة الوتريات(كمان و تشيلو و كنتر باص) من أي حالة تكون فيها،وتحس بأن شخصا ما وضع يده برفق على يدك ليطلب منك بصمت النظر إلى ماينظر إليه هو،ولذلك فقد جاءت المقدمة بدون استعمال أية آلة إيقاعية للإيحاء بالهدوء وحالة من التأمل مغرقة في الرومانسية.
يبدأ لحن المطلع هذا، من أولى درجات المقام(ماجور أو عجم)كنظرة انطلقت من عين محبة ترنو إلى الأزرق الكبير،وطارت إلى الأفق الذي يفصل السماء عن البحر،وذلك مارسمه بدقة (إقلاع) اللحن من أولى درجات المقام وبشكل مباشر وبدون تمهيد إلى آخر درجاته ( الثامنة جواب الدرجة الأولى) ليبدأ برسم مسار طائر النظرة الذي انطلق من الشاطئ( الدرجة الأولى)وعاد إليه ،ولكن بمسار يرسم سلما اسطوريا درجاته متقاربة ليسهل تسلقه وليمهد لدخول المطلع الموسيقي الأصلي الذي يتكرر بعد كل مقطع في الأغنية.
وهنا لابد أنكم لاحظتم أن هذه المقدمة لاتسمع إلا مرة واحدة فقط وكأنها دعوة واثقة من التلبية.
وهذا بالضبط مافعله لحن المذهب المكرر قبل كل مقطع غنائي،فقد لبى الدعوة بسرور ورشاقة متناهية،ولكنه بدأ من الأفق الذي حملته إليه نظرة الداعي(بدأ من الدرجة السادسة صعودا إلى الثامنة) ولكنه يرسم شخصية مختلفة بعودته إلى الشاطئ،وهنا يكتمل بهاء حوار الحب الذي طالما برع فيه الرحابنة.
"شايف البحر شو كبير"
نظرة صوبت إلى البحر بلحن شبه ثابت في درجاته مع مد طويل في زمن كلمة"كبير"ولا يخفى القصد من ذلك.
"كبر البحر بحبك"
وهنا ينزل اللحن (النظرة) إلى بداية المقام(حيث الشاطئ وعيون الحبيب)
ذاك الحبيب الذي يجيب إجابة قصيرة تخجل من قطع روعة الغناء،وتحثه بحركة من رأسه على المتابعة(الجملة الموسيقية القصيرة التي تأتي بعد كبر البحر بحبك)
"شايف السما شو بعيدة"
وهنا .صعد اللحن إلى مافوق الدرجة الثامنة ،إلى "السما البعيدة" مستخدما نفس تقنية المد ولكن باتجاه الأعلى،وعائدا (نازلا) أيضا إلى عيون الحبيب .
"كبر البحر وبعد السما"
جملة لحنية تكرر نفسها كأنها تحصي شيئا:واحد ..إثنان....ثم قفزة إلى "السما"
"بحبك ياحبيبي
ياحبيبي يا حبيبي
بحبك"
هدوء في الإيقاع وأداء فيروزي رائع،يحوي إصرارا وتأكيدا لا يجارى بجماله.
أغنية تمازج فيها إتقان وأناقة ومنطق الموسيقى الغربية،مع شجن وروعة وطرب الموسيقى الشرقية،غزلت خيوطه أنامل وحنجرة مبدعين من طينة هذا الوطن ومن عمق أصالته.